Author

عندما تصبح المنافع حقا

|
أستاذ جامعي ـ السويد
كان لقاء مشوقا مع زملاء سعوديين في مؤتمر دولي. اللغة العربية ليست اللغة الأم بالنسبة لي ولكنني أتقنها كتابة وأتحدثها بلكنة ولهذا أحاول دائما الاستناد إلى اللغة الفصيحة لسببين: الأول لأنها تنقذني من الاختلاف الكبير في اللهجات حيث لا أتقن أي واحدة منها بصورة صحيحة، الثاني تساعدني على التعبير عن أفكاري بصورة سلسة يفهمها المقابل. وتكونت لدي شجاعة حيث لم أعد أرى حرجا عند التحدث بالعربية الفصيحة أينما كنت. ما لاحظته ضمن هذه المسيرة أن كل من أحاوره يثني على لغتي. لا علم لي إن كان الثناء بسبب جودة الخطاب أم أن محاوريّ يستأنسون اللكنة التي ما زالت ترافقني. اللهجة في السعودية ومن خلال حديثي مع الأساتذة الذين التقيتهم يبدو أنها من أقرب اللهجات إلى العربية الفصيحة. وهنا أتحدث عن انطباعي وليس كحقيقة أكاديمية. والمؤتمرات العلمية ولا سيما الكبيرة منها يحضرها أحيانا آلاف المشاركين، فيها تلتقي بمختلف الأجناس وفيها فائدة كبيرة جدا وفرصة للباحث والساعي إلى العلم وكذلك معرفة شأن الكثير من المجتمعات والدول، والأساتذة الجامعيون خير من يقدم معلومات بهذا الشأن. وما تمنحه الدولة أو الجامعة من منافع وامتيازات غالبا ما تكون مثار النقاش خارج قاعات المؤتمر. وعندما دار النقاش حول هذه المسائل رأيت أن ما يتمتع به الأساتذة وربما أغلبية المواطنين في المملكة من منافع قد تسيل اللعاب لدى الآخرين. دولة مثل السويد وهي ربما رقم واحد بالنسبة للرفاهية في العالم بدأت تعيد حساباتها حول المنافع الاجتماعية نتيجة الضغط الاقتصادي وتغير التركيبة الاقتصادية والصناعية الدولية وسأعرج على هذا الموضوع بالذات مستقبلا بعون الله. مشكلة المنافع، عامة كانت أو خاصة، ولا سيما التي لا علاقة مباشرة لها بالنمو الاقتصادي وديناميكية المجتمع وتطوره، أنها قد ترقى لدى الناس إلى مصاف حق من حقوقهم أو بمثابة فقرة في الدستور يصبح تغييرها أو تعديلها أمرا صعبا، وقد يثير ردة فعل اجتماعية عنيفة إن تم إلغاؤها بصورة مفاجئة دون درس وتمحيص وقراءة متأنية. وفي المملكة، كما عرفت من زملائي الأساتذة، الكثير من المنافع والخدمات، منها ما يجب أن يُعزز ويُزاد ويوسع مداه، ومنها ما يجب أن يقوم أصحاب الشأن بالعمل على تضييقه ومن ثم إلغاؤه. وإعادة النظر يجب أن تبدأ من المنافع غير الأساسية التي لن تؤثر في الدورة الاقتصادية ولا سيما الإنتاجية منها. لا يجوز أن ينتج ثمانية ملايين سويدي أكثر مما ينتجه كل سكان الخليج العربي مع ما لديهم من عمال أجانب وخدمة منزلية وسائق وغيرها حيث يفوق عددهم الإجمالي 40 مليون نسمة. اليوم من الصعوبة بمكان التنبؤ بما سيكون عليه حال اقتصاد ثابت يستند إلى حلقات تكنولوجية وخدمات فائقة التطور في بلد مثل السويد يقع في منطقة تنعم بأمن واستقرار. فكيف بحال اقتصاديات تعتمد أساسا على مدخولات الريع وتصدير مواد خام لا استقرار في أسعارها، وفي منطقة قد لا نكون مبالغين إن قلنا إنها على برميل بارود. سعدت كثيرا عندما رأيت أن زملائي يتفقون معي على أنه آن الأوان لأن تعتمد العائلات السعودية على نفسها من حيث الخدمة المنزلية صوب هدف تقليل العمالة الأجنبية دعما للاقتصاد والميزانية أمام الضغط الهائل على أسعار النفط الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد.
إنشرها