Author

ماذا بعد رفض غرامات الأراضي؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
هكذا تلقى المجتمع السعودي أول خبر لإعلان صحيفة "الاقتصادية" حول ملف غرامات الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، المقدم من وزارة الإسكان بالنص التالي: (أكد مصدر لـ "الاقتصادية" رفض أكثرية أعضاء هيئة كبار العلماء فرض رسوم على الأراضي البيضاء مع تأجيل الجلسة المنعقدة حاليا إلى وقت آخر، في حين أفاد المصدر باتفاق الهيئة على تحويل هذا الملف بالكامل إلى المجلس الاقتصادي الأعلى للنظر فيه على أن يعاد بعد ذلك للهيئة). خلاصة الإعلان؛ تعني تأجيل حسم فرض تلك الرسوم "الغرامات" حسبما أرادت وزارة الإسكان، وأهم من كل ذلك حسبما طمح إليه أغلب أفراد المجتمع السعودي، الذي لا يمتلك ما يقارب ثلاثة أرباعهم مساكنهم! طوال الأسبوعين الفائتين، لم يعلُ على مناقشة هذا الملف وسط مجالس وأحاديث المجتمع أي حديث آخر، عدا أنه المطلب التنموي الذي ظل يحتل المرتبة الأولى بين بقية مطالب المجتمع السعودي طوال الأعوام الخمسة الأخيرة. هل في هذا المطلب الاجتماعي المُلح أي نوعٍ من الترف؟ هل يوجد في ضمائر من انتظروه وما زالوا كذلك تحت ضغط الأسعار اللاهبة للإيجارات، وتحت ضغط الأثمان الباهظة للأراضي والمساكن البعيد المنال، أقول هل ما زال في ضمائرهم بقية أملٍ أن يتم التصدي لهذه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية الخطيرة؟ هل يرجى بعدئذ أن تنجح ولو بدرجة "مقبول" وزارة الإسكان حديثة النشأة، وهي التي يتم قص جناحها مع أول مواجهة للأسباب الحقيقية والمفتعلة وراء تفاقم أزمة الإسكان في بلادنا؟ وهل سيطول انتظار المجتمع السعودي للرحلة الغامضة، التي سيمضي فيها ملف لائحة الغرامات على الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات نحو المجلس الاقتصادي الأعلى، على أن يُعاد لاحقاً إلى أروقة هيئة كبار العلماء في المستقبل غير المعلوم موعده؟ تُرى كيف ستأتي آثار هذا الرفض أو التأجيل أو التحويل على الأسعار التي لا يتلظى بسعيرها سوى أفراد المجتمع؟ هل ستشهد بدايةً "قرْصة أذن" كل من تفاءل بها بارتفاع فاتورة إيجاره بـ 10 أو 20 أو 30 في المائة؟ ولاحقاً سيتم التفكير في معاقبته بما يلزم على إثم طموحه بتحسّن أوضاعه المعيشية من قبل تجّار التراب، وملاك الشقق والمساكن! في الجانب الآخر الأكثر فرحاً بما آلت إليه الأمور، وأعني بها مرابع تجار التراب. كيف سيعبر أولئك القوم عن نجاتهم مما كان ينتظرهم ضمن لائحة الغرامات على الأراضي السكنية الواقعة داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات؟ هل سيوغلون فيما تعطّل عليهم من رفعٍ للأسعار طوال عامين مضيا من الركود؟ أم أنهم سيدرسون جيدا سد أية منافذ محتملة مستقبلا قد تهدد من قريب أو بعيد مساحات التراب التي يسيطرون عليها؟ وحتى لا تتكرر مثل تلك الفصول المخيفة بالنسبة لهم! هل سيولمون لبعضهم البعض احتفالا بهذه المناسبة الترابية السعيدة؟ كل هذا وغيره ممكن الحدوث. نعم فقد أصبحوا اليوم في منطقة أكثر أمانا من ذي قبل، مقابل غير ذلك بالنسبة للاقتصاد والمجتمع الذين يعيشون وسطه. أوجّه كلمات إلى المجلس الاقتصادي الأعلى، كلمات لست أنا بقائلها، إنما قالها ويقولها في كل لحظة من حياته رب أسرة أشقاه ما أشقاه من عناء هذه الدنيا الزائلة، وذاق ما ذاق من لظى ارتفاع تكلفة الإيجارات حتى وصل استقطاعها بالنسبة للكثير من أرباب الأُسر ما يقارب الـ 80 في المائة دخله، هو وأرملة أو مطلقة تشققت يداها حول أبنائها لأجل حمايتهم من غدر هذا الزمان، والكثير من أطياف المجتمع الذين تحملهم أقدامهم سيراً من حولنا، ترى في هيئتهم الخارجية عفاف الملبس والحال، غير أنهم في دواخلهم ممزقون من وعثاء الحياة وتحدياتها. أقول هذه الكلمات، ليس نسجاً من الخيال، أو محاولة لاستجداء العاطفة، فلم يعد لأي منهما في زماننا سوى ما نراه عبر أفلام الهنود ودول الغرب وأخيرا مسلسلات الأتراك. إن على أعضاء المجلس الاقتصادي أن ينظروا بعين الاستعجال لهذا الملف، وأن يبدوا آراءهم الصادقة الملامسة لحقيقة التحديات الجسيمة التي يواجهها كل من الاقتصاد الوطني والمجتمع، وإن حساسية وخطورة الموقف الراهن لن تتيحا لهم الزمن برهة أو فسحة منه، فهم إن قرروا تحول الملف إلى نمط آخر أكثر كارثية مما هو عليه الآن، فلن يترددوا لحظة واحدة في تحقيق شرطه الكوني. وأن يتولوا مسؤولياتهم الوطنية بالوجه الذي اعتادوا سابقا على القيام به، فينهوا إعداد آرائهم في هذا الملف على وجه السرعة، وإعادته بطلب اجتماع استثنائي قريباً جدا من قبل هيئة كبار العلماء، للنظر فيه وإصدار ما فيه إنقاذ البلاد والعباد مما لحق بهما من أذى كبير جدا من أوجه احتكار الأراضي داخل المدن، والتضييق على عباد الله وسط وطنهم، الذي لا بديل ولا عوض عنه مهما اتسعت أصقاع الكرة الأرضية. إننا كمجتمعٍ عاهد أفراده الله ثم ولي أمره، نتطلع إلى ملك الإنسانية وحبيب الأفئدة ليحسم هذا الملف على الفور، وأن تمتد يده الحانية كما عوّد أبناءه وبناته وإخوانه وأخواته من شعبه المحب الوفي له ولوطنهم، أن يغلق على وجه السرعة باباً قد تأتي منه الشرور لا قبل لأحد منا بها، ومن لها غيره بعد الله جلت قدرته. لعلها تكون هديته العظمى قبل حلول اليوم الوطني، فتكون فرحة أكثر من 20 مليون مواطن ومواطنة مضاعفة أكثر. حفظ الله قادتنا وبلادنا ومجتمعنا من كل مكروه، وسدد جهودهم جميعا نحو الخير وفعله، والاستمرار عليه ما بقيت هذه الأرض إلى يوم الدين. والله ولي التوفيق.
إنشرها