Author

«الدبلوماسية الشعبية».. ماهية المصطلح وتطوره التاريخي

|
يظن العديد من الدارسين والباحثين في حقل الدبلوماسية الشعبية، أن هذا المصطلح العلمي "Public Diplomacy" أمريكي بامتياز، نشأ مع إنشاء مركز (Murro) للدبلوماسية الشعبية في جامعة (Tufts) الأمريكية عام 1965م، وذلك حينما استخدمه إدموند قاليون (Edmund Gullion) كمفهوم جديد، بقوله إن الدبلوماسية الشعبية مفهومٌ "يتناول تأثيرات المواقف العامة في تشكيل وتنفيذ السياسات الخارجية. وهو يشمل أبعاداً من العلاقات الدولية تقع فيما وراء الدبلوماسية التقليدية، كقيام الحكومات بزراعة وغرس رأي عام في البلدان الأخرى، والتفاعلات بين الجماعات الخاصة ومصالحها في بلد مع بلد آخر، وكتابة التقارير والإبلاغ عن الشؤون الخارجية وتأثيراتها في السياسة العامة، وكذا عمليات التواصل مع هؤلاء الذين يشكل الاتصال وظيفتهم الأساسية كالدبلوماسيين، والمراسلين الأجانب، والعاملين في مجال التواصل والتبادل الثقافي". لكن نيكولاس كول "Nicholas J. Cull" في دراسته التي تناولت مصطلح الدبلوماسية الشعبية قبل قاليون "Gullion"، أظهر أن أول استخدام لمصطلح "الدبلوماسية الشعبية" لم يكن أمريكياً على الإطلاق بل بريطاني، ففي 15 يناير عام 1856م ورد ذكر الدبلوماسية الشعبية في مقالة صحيفة التايمز اللندنية الافتتاحية تنتقد فيها مواقف الرئيس فرانكلين بيرس Franklin Pierce، وتتحدث عن القدوة الحسنة والصورة النمطية، والتعامل الجيد مع الشعوب، كما جاء أول استخدام أمريكي لهذا المصطلح عبر ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز في يناير 1871م عن تقرير للكونجرس عرضه صمويل كوكس "Samuel Cox" المنتمي إلى الحزب الديمقراطي والصحافي السابق، تناول فيه المؤامرات السرية العدائية لجمهورية الدومينكان، وأنه مؤمن بأهمية استخدام الدبلوماسية الشعبية المفتوحة. وخلال الحرب العالمية الأولى أصبح استخدام مصطلح "الدبلوماسية الشعبية" على نطاق واسع؛ لوصف مجموعة من الممارسات الدبلوماسية الجديدة، تهتم بشرح وتبرير سياسات الدولة لشعبها، وكذا لمخاطبة شعوب الدول الأخرى وخصوصاً تلك المعادية، كما في البيانات الألمانية المتعاقبة لسياسة حرب الغواصات، أو من خلال الإعلانات العامة لشروط السلام، وخطاب النقاط "الأربعة عشر" في الثامن عشر من يناير 1918م، الذي كان أساسا لبناء النظام الدولي، حيث استخدم فيه مصطلح "الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية المفتوحة"، وقد توالى استخدام عبارة "الدبلوماسية الشعبية أو العامة" فيما بعد في عدة مواضع بمعنى "المواثيق المفتوحة" والمعلنة للعامة وللشعوب، وفي عام 1928م كتب مراسل "كريستيان ساينس مونتر" مقالة تحت عنوان "زمن الدبلوماسية الشعبية"، حصل من خلالها على جائزة المقالة في الصحافة والدبلوماسية الشعبية، أكد فيها على الواجب الأخلاقي لوسائل الإعلام، وأن تتناول كتابة التقارير الدولية بدقة وبنزاهة لتخفيف حدة التوتر، وغيرها من الأمثلة، إلا أن استخدام هذا المصطلح أصبح نادراً جداً خلال فترة الحرب العالمية الثانية إلى أن تمت إعادة تداوله من جديد، ففي عام 1946م تحدث وزير خارجية بلجيكا بحماس عن "هذا الزمن .. زمن الدبلوماسية الشعبية"، وذلك في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر). وفي الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، جرى تناول هذا المصطلح بشكل متزايد ومتنوع المعاني، حيث شهدت تلك الفترة اهتماما ملحوظا بعالم المعلومات الدولية والدعاية، وتوالت الاستخدامات إلى أن جاء قاليون ليحمل الدبلوماسية الشعبية في معناها الجديد كبديل عن الدعاية الخبيثة، لتتبنى معاني جديدة وصفات حميدة. وقد شهدت سنوات ريجان "Reagan" زيادة في الإنفاق على الدبلوماسية الشعبية، وانتشارا أكبر لاستخدامات المصطلح في جلسات الاستماع في الكونجرس، والمنح الدراسية، وفي الصحافة، وبين الممارسين، إلا أن البيت الأبيض في زمن ريجان أقدم على ممارسة صُنِّفَت كتحدٍ غير مفيد للمفهوم السائد، وذلك بإنشائه "مكتب الدبلوماسية الشعبية" للإشراف على الدعم المحلي إلى متمردي الكونترا في نيكاراجوا، وكذلك في جلسات الاستماع حول فضيحة ما يسمى "إيران كونترا"، ما جعل هذا المصطلح غير مرغوب فيه. وخلال التسعينيات الميلادية، أصبح استعمال الدبلوماسية الشعبية شائعاً في دوائر السياسة الخارجية على المستوى الدولي. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، أنشأت حكومة بلير "مجلس استراتيجيات الدبلوماسية الشعبية". وفي السنوات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001، شهدت الدبلوماسية الشعبية اهتماما متزايداً في الولايات المتحدة الأمريكية، ما حدا بالباحثين الاعتبار بأنها دخلت "أخيراً" الوعي العام الأمريكي. ففي أعقاب كارثة تسونامي الآسيوية، استخدم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش هذا المصطلح، وقال في مقابلة معه على محطة ABC: "جهودنا الدبلوماسية الشعبية ليست ... ليست قوية جدا وليست جيدة جدا مقارنة بالجهود الدبلوماسية الشعبية لأولئك الذين يرغبون في نشر الكراهية والحط من قدر الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن المساعدات الأمريكية للمتضررين من كارثة تسونامي قد تحدث فرقا في هذا. وحرصت الولايات المتحدة على تغطية إعلامية مكثفة لجهودها ومساعداتها الإنسانية لمتضرري كارثة تسونامي خصوصا في إندونيسيا، وهو ما أظهره وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية الشعبية والشؤون العامة، كارين هيوز.
إنشرها