Author

اكتمال محاصرة تشحيح الأراضي واحتكارها

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أستكمل إجابة ما بدأته من ثلاثة أسئلة طرحت نهاية الأسبوع الماضي في مقال: انكشف "المستور" في السوق العقارية؛ 2) ما أهم النتائج والتغيرات التي حدثت على السطح؟ 3) ما المتوقع أن يحدث في المستقبل؟ فأذكر أنه منذ تأسيس وزارة الإسكان حتى ما قبل بدء وزارة العدل باسترداد مساحات الأراضي المستولى عليها دون وجه حق، وإعادتها إلى أملاك الدولة، ثم صدور إعلان وزارة الإسكان عن مستحقي الدعم السكني؛ لم يطرأ على أوضاع السوق العقارية ما يستحق أن يكون ذا أثر ملموس، وما يمكن رؤية آثاره على تصحيح الاختلالات الجاثمة في مختلف أركانها! يعتبر ما سيأتي من حديث إجابة على السؤالين أعلاه، مؤكدا على عدد من المحاور والتطورات التي جرت على السطح الداخلي لدينا، والتي قد تكون مرت مرور الكرام على الكثير منا، دون الانتباه إلى أهميتها القصوى، إضافة إلى ما سيتم اتخاذه في القريب من قرارات وإجراءات، والنتائج التي ستترتب عليها. أبلورها باختصار شديد في النقاط المحددة التالية: أولا: يعد ما بدأت به وزارة العدل من جهود إصلاحية كبيرة وجريئة، تمثلت في إلغائها صكوك أراضي بمساحات شاسعة جدا تجاوزت مئات الملايين من الأمتار، ومحاصرتها لصوص الأراضي الحكومية والمفسدين من بعض التجار والعقاريين وكتاب العدل، تأكد لدى الوزارة تورطهم في استخراج صكوك لتلك الأراضي بطرق غير مشروعة ودون وجه حق، انتهى بها الأمر لاحتكارها سنوات طويلة، ليتحقق واقعا ما سبق الإشارة إليه في أكثر من مقام فيما يتعلق بالأسباب الرئيسة لافتعال الأزمة العقارية والإسكانية، ممثلا في "تشحيح" الأراضي لا كما حاولت العديد من الأطراف العقارية إيهام البلاد والعباد بوجود "شح" في الأراضي، وأنه سبب الأزمة! لن يدرك الكثير أهمية ما قامت به وزارة العدل من جهود عملاقة في هذا الخصوص إلا بعد حين، وهو قريب جدا، حينما يلمس أثر وفائدة فك الخناق عن مئات الملايين من الأمتار وتحريرها من الاحتكار والاستيلاء غير المشروع، لتضاف إلى جانب المعروض من الأراضي القابلة للتطوير، سيسهم بقوة في الإطاحة بمستويات الأسعار المرتفعة "افتعالا غير مشروع"، لا بسبب قوى العرض والطلب كما حاول المتورطون افتعالها لإيهام أغلب أفراد المجتمع به زورا وبهتانا. تثبت جدية وزارة العدل وعزمها تجاه واحد من أخطر ملفات الفساد إن لم يكن أخطرها وأشدها فتكا بالتنمية والاستقرار الداخلي؛ بإنشائها لجان فحص الصكوك في عدد من كتابات العدل على مستوى مناطق المملكة، وإجرائها في الوقت الراهن مسحا شاملا على صكوك مماثلة في العديد من المواقع، ما ينبئ عن استردادها مزيدا من المساحات المستولى عليها دون وجه حق. يمثل ما تقوم به وزارة العدل في الشأن عملية عكسية عملاقة لجريمة "تشحيح" الأراضي، التي تسببت في افتعال أكبر أزمة تنموية محليا، يمكن وصفها بـ "تحرير" أو "تطهير" الأرضي المحتكرة دون وجه حق، ومن ثم إتاحتها للبناء وعمران الأرض، وتحقيق النفع بها للبلاد والعباد كما أمر به الله -عز وجل. ثانيا: إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام لدائرة "الجرائم الاقتصادية"، بهدف التحقق من تطبيق الأنظمة واللوائح والتعليمات في التحقيق في الجرائم الماسّة بالاقتصاد الوطني، التي ستتولى ضمن أدوراها العديدة ذات العلاقة التحقيق في جرائم التلاعب بالأسعار وارتكاب جرائم التضليل في الأسواق المحلية، وفي مقدمتها السوق العقارية! تمثل خطوة مهمة أخرى وموازية لما تقدم على طريق الإصلاح، سبق التوسع في الحديث عنها في مقالي: أخيرا "سيف" الجرائم الاقتصادية "الاقتصادية عدد 7607". تتمثل الخطوتان السابقتان دون مبالغة تذكر في عزم الدولة -أيدها الله- بصورة فعلية على محاربة أكبر أوجه الفساد، التي أفضى ضعف الأنظمة والرقابة والمحاسبة في وقت سابق، إلى تفجر العديد من الأزمات المعطلة للتنمية المستدامة والشاملة، في مقدمتها الأزمة المفتعلة في السوق العقارية والإسكانية. كل هذا بدوره سيسهم في إزالة الأسباب الرئيسة لتضخم أسعار الأراضي والعقارات بصورة غير مبررة، وسيسهل كثيرا ليس فقط عمل وجهود وزارة الإسكان، بل حتى المواطن متوسط الدخل، الذي سيجد أنه بعد تصحيح الأسعار وتراجعها إلى مستويات مقبولة جدا تتناسب مع دخله الثابت؛ يصبح في استطاعته شراء الأرض الملائمة وتشييد مسكنه، وسيكون متاحا له الاستفادة من قنوات التمويل المتاحة دون إرهاق قدرته على الإنفاق. أذكر هذه التوقعات لأهميتها، رغم بغضي للغة التسويف! إلا أنه أمر لا بد من ذكره للقارئ الكريم، قياسا على تحقق مقدماته على أرض الواقع، كما صدر عن كل من وزارة العدل وهيئة التحقيق والادعاء العام. ثالثا: يمكن القول مع الخطوة الأخيرة لوزارة الإسكان بإعلانها عن مستحقي الدعم السكني، وما سيليه من خطوات قادمة، سواء بالتقدم على طريق تنفيذ متطلبات ذلك الاستحقاق، أو الإعلان عن دفعات أخرى من المستفيدين من مشاريعها وبرامجها، أنه الخطوة الثالثة الفعلية التي سيكون لها الدور الملموس في زحزحة قواعد الأزمة الإسكانية الراهنة، وهو ما توسعت في الحديث عنه في المقال الأخير: (أول الغيث العقاري.. أمطار غزيرة لا قطرة "الاقتصادية عدد 7628")، لعل من أهم ما انتهى إليه الحديث في المقال؛ أن بداية تصحيح الأسعار سيبدأ مع تراجع تكلفة الإيجارات بنحو 10 في المائة خلال أقل من عام، ليمتد أثره إلى أثمان العقارات والمساكن المتوقع تراجعها بين 10 و 25 في المائة، ثم إلى أسعار الأراضي بنسب قد تصل إلى 40 في المائة كأقصى حد، وفقا للحيثيات المذكورة في المقال السابق. جميع ما سبق ذكره، أصبح واقعا ملموسا وفي طريقه إلى التوسع والاستمرار، وكل جزء منه يشكل وزنا مهما ونوعيا على خريطة السوق العقارية والإسكانية عموما، كما سيكون له دون أدنى شك الأثر الحقيقي على أوضاع السوق ومستويات الأسعار الراهنة. فهل يعقل أو يقبل من أحد مهما كان وزنه، أن كل ما تقدم سيفضي إلى استمرار الأسعار في الارتفاع؟ أو حتى أنها ستبقى مستقرة دون تراجع؟ أترك الإجابة لفهم القارئ الكريم. لم يبق إلا الخطوات الأخيرة، التي لا تقل أهمية عن كل ما تقدم ذكره. رابعا: أن تبدأ وزارة الإسكان العمل بفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، وفرض رسوم إضافية أخرى على الأراضي المطورة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية، ونزع ملكية الأراضي من ملاكها إذا تأخروا في إعمارها. وأن تبدأ مصلحة الزكاة والدخل العمل بنظامها الجديد، المتضمن تحصيل الزكاة على العقارات المدرة للدخل، وعروض التجارة من الأراضي، وهو ما سيسهم ليس فقط في تصحيح الأسعار، بل حتى في كبح أطماع المحتكرين ومدوري الأموال دون أدنى تكلفة في تلك الأوعية التنموية أكثر منها الاستثمارية، وهو ما يؤمل أن نراه قريبا. والله ولي التوفيق.
إنشرها