هتون .. ملهمتي الصغيرة !

عرفتها في بدايات الصيف الماضي، وها هو الصيف الثاني يعبرني لأتأمل كيف لها أن تكون مُلهمة لي بشكل مدهش!

وكيف لها وهي من تظن أنها تتعلم مني، ولكني أرى أني أنا من أتعلم منها في كل ثانية، وكل تعبير، وكل كلمة، أو حتى تأمل تخبرني به!

تلك الشعلة المتوقدة ذكاء وثقافة وثقة بالذات وتوازنا بالشخصية وأسلوبا وحماسا وطموحا لا يتوقف أبدا.

هتون كاتبة قصص قصيرة، قارئة نهمة جدا، ومتأملة بارعة. في كل ما أقول لها وما أتحدث به أجده لا يمر عابرا أبدا.

عينها لا تقع إلا عليك كل جميل، وفرة الحب لديها مثيرة، معطاءة جدا فلا حدود لعطاءها أبدا.

تمتلك من جمال الروح جمالا لا يمكن تجسيده في بضع كلمات تتهاوى في كل مرة أطلبها بشدة أن تكون لائقة وبالشكل اللطيف من أجلها!

هتون لم تتوقف مكتوفة اليدين لدى إعاقتها الحركية في كونها ترى أن الإعاقة دافعا قويا للنجاح وللوصول إلى كل ما تحلم به وتطمح إليه.

حلمها الصغير نما وكبر إلى أن تخرجت هذه السنة من الثانوية العامة وقد حققت نجاحا مبهرا وعظيما يستحق أن يُحتفى به بصدق.

تطمح لدراسة علم النفس وأن تغوص في سبر أغوار العلوم السيكولوجية، وأن تكون طبيبة نفسية مساندة للعالم وأن تصل رسالتها الانسانية للكون. ولكن حلمها بتر لأسباب لا أستطيع ذكرها، ولكنها لم تتوقف أبدا.

اتصلت بي ذات مساء لطيف لتخبرني أنها لن تتمكن من الدراسة في هذا التخصص، ولكنها سارعت بالقول : "سأصل حتى لو لم أدرس هذا العلم في الجامعات سأتعلمه بنفسي وأطلب منك أن تساعديني أنتِ في ذلك".

هتون يا رائعتي، كتمت الدمع لحظتها.. لم يمنعك العالم أجمع أو يحجبك من تحقيق رغبتك وشغفك، وكثير ممن أعرفهم لديهم كافة الإمكانات ولكن شماعة الحجج والتسويف جاهزة لسردها حال التساؤل عن سبب عدم مواصلة سير التعليم والتعلم.

المفاجأة الكبرى هي معرفتي قبل أسبوعين تقريبا بقبولها في الجامعة ولكن لم يتحدد بعد ما هو التخصص والعلم الذي ستشرع في دراسته، أتت لتزف الخبر مفعمة بالفرح الذي لا يمكن أن أصفه وأن أترجمه ببضع كلمات ينهار سقفها أمام سعادتها..

في كل مرة أرى شغفها للتعلم والاستكشاف، اؤمن أكثر أن إعاقة العقل هي ما تقيد الجسد، وليست إعاقة الجسد هي ما تقيد العقل.

فعقل هتون حر، رائع، مدهش، وثري بالفكر والوعي والشغف والجماليات العظيمة. فمن يجرب التحدث إليها سيحكم عليها بعمر أكبر من عمرها، فعمر عقلها يفوق عمرها الزمني بمراحل!

إن الإعاقة أيا كانت، حركية، أو بصرية، أو سمعية.. هي ما تخلق الدوافع، وتصنع الإمكانات، وتنحنت قوة مواصلة السير نحتا عظيما. وفي أحيان كثيرة نرى أن من يكون لديهم إعاقة معينة ينجحون ببراعة تفوق نجاح الأصحاء جسديا.

وهذا يثبت وبقوة أن القوة والنجاح تكمن في العقل لا في الجسد. هتون يا ملهمتي يدي بيدك، وستصلين إلى أن يكون اسمك مسبوقا بالدكتورة هتون كما كنتِ تحلمين بالضبط.

لا أنسى كيف تعرفت عليك وكيف أن الله ساقكِ إلي وساقني إليك.

إليكِ يا هتون يا ملهمتي الصغيرة مع كل الحب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي