Author

فتح الاستثمار الأجنبي خطوة نحو الدخول إلى قائمة البورصات الناشئة

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
أخيراً جاءت موافقة مجلس الوزراء على قيام هيئة السوق المالية بفتح المجال للمؤسسات المالية الأجنبية لشراء وبيع الأسهم المدرجة في السوق المالية السعودية. وجاء بشكل سريع رد هيئة السوق المالية بأن ذلك قد يستغرق ما يقارب عاماً كاملاً لتتمكن الهيئة من استكمال الإجراءات النظامية لذلك واستطلاع آراء عموم المستثمرين والمهتمين على القواعد المنظمة لذلك. يفترض أن تكون الهيئة جاهزة بمشروع كامل لتنظيم عملية دخول الأجانب للسوق المالية السعودية قبل الرفع بطلب الموافقة، ولكن يبدو أن الهيئة لم تكن جاهزة، وها هي الآن ستبدأ من الصفر، باقتراح القواعد المنظمة والاستئناس بآراء العموم. لا أعلم لماذا اقتصر القرار على سوق الأسهم فقط ولم يشمل سوق السندات والصكوك، التي تعاني من جفاء المستثمرين لها، وكانت هذه فرصة مواتية لتحريك السوق وخطف موافقتين في وقت واحد. وكما هو متوقع لم يفتح المجال للمستثمر الأجنبي الفرد، بل فقط للمؤسسات المالية، وهذا في الواقع معمول به في بعض الدول التي لديها تحفظات معينة بحق الأفراد، مثل الهند والصين، وأقل من ذلك في قطر والإمارات. كما أن تعريف "المؤسسة المالية" ليس بالأمر اليسير، حيث نجد أن بورصات الهند بشكل عام موجهة للمؤسسات المالية، غير أن لديها برنامجاً يسمى "المستثمر المالي المؤهل"، والهدف منه إتاحة الفرصة أمام الأفراد من الهنود الذين يحملون جنسيات غير هندية للاستثمار في بلدهم الأصلي. يبدو أنه مناسب جداً في الوقت الراهن قصر الاستثمار الأجنبي في السعودية على المؤسسات فقط، وهذا شبيه بما هو معمول به في دولة الصين التي لديها برنامج "المستثمر الأجنبي المؤسساتي"، الذي من خلاله تقوم الحكومة الصينية بوضع حد أعلى لإجمالي تملك الأجانب في البورصات الصينية، حيث لا يسمح بتجاوزه في أي وقت من الأوقات، ويصل هذا الحد حالياً إلى 80 مليار دولار. كما أن من ضمن شروط البرنامج ألا يزيد استثمار أي مؤسسة مالية عن مليار دولار ولا يتجاوز 30 في المائة من رأسمال أي شركة صينية. أما المؤسسات المالية التي تسمح بها الصين فهي شركات استثمارية كبيرة ومعروفة أو صناديق سيادية لدول مثل النرويج وسنغافورة وقطر والإمارات (أبوظبي)، غير أنه واضح من نسب التملك المسموح بها أن الحكومة الصينية تشجع الصناديق المملوكة من قبل الحكومات أكثر من الشركات الاستثمارية، ربما كنوع من البحث عن الاستقرار والابتعاد عن خطورة الأموال الساخنة. التجربة الصينية قد لا تكون مثالية لعدة اعتبارات، وقد لا يكون من المناسب الأخذ بها في السوق السعودية، كونها في واقع الأمر تسمح بمشاركة أجنبية ضئيلة لا تتجاوز 2 في المائة من رسملة السوق الصينية، نتيجة الحد الأعلى المقر بـ 80 مليار دولار حالياً. من جهة أخرى فإن الاستثمار في الشركات الصينية متاح بشكل واسع -حتى للأفراد- وذلك من خلال الشركات الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، البالغ عددها أكثر من 66 شركة. من المعروف أن هناك عددا كبيرا من الشركات العالمية التي تقوم بإدراج أسهمها في البورصات الدولية إضافة إلى إدراجها في بورصتها الوطنية، وتشمل شركات معروفة مثل "نوكيا" الفنلندية و"سيمنز" الألمانية و"بريتيش بتروليوم" البريطانية و"نستله" السويسرية و"يوني ليفر" البريطانية و"تشاينا موبايل" الصينية و"ألكاتيل لوسنت" و"توتال" الفرنسيتين، وغيرها من الشركات المعروفة. ويتم ذلك بقيام إحدى المؤسسات المالية بالاتفاق مع الشركة المصدرة حيث تقوم المؤسسة المالية بالعمل كوسيط بين الشركة والمستثمرين الأجانب، وتتولى عمليات المقاصة والحفظ وضبط السجلات وتسلم الأرباح الموزعة وإيداعها في حسابات المستثمرين، وما إلى ذلك. وفي المقابل، تحقق المؤسسة المالية رسوما مالية مقابل هذه الخدمات. أي أن هذا الترتيب يجعل الشركة المحلية تذهب إلى الأجانب بدلاً من أن يأتي الأجانب إليها. بإمكان هيئة السوق المالية السعودية الأخذ بما هو معمول به في بعض دول الخليج من حيث السماح للأجانب بتملك الأسهم بنسب تصل إلى 49 في المائة في دبي وأبو ظبي، وهي النسبة ذاتها للتملك المسموح به للشركات الأجنبية في الإمارات خارج المناطق الحرة، أما داخل المناطق الحرة فتصل النسبة إلى 100 في المائة. النقطة المهمة هنا أن الحكومة تقر الحد الأعلى لنسبة التملك دون إلزام أي شركة بالسماح لتملك الأجانب، بل تُرك ذلك للشركة نفسها حيث تحدد النسبة من صفر إلى 49 في المائة. كذلك الحال بالنسبة لقطر، حيث تم تحديد الحد الأعلى عند 25 في المائة، وتم رفعها قبل شهرين إلى 49 في المائة، مع ترك الحرية لكل شركة على حدة لتحديد نسب التملك. وبالرغم من كون نسبة التملك تصل إلى 25 في المائة، إلا أن نسب التملك الفعلية في قطر شبيهة بما نراه في دبي، وتبلغ حوالي 7.50 في المائة في المتوسط. الجدير بالذكر أن أكبر نسب التملك نجدها في المصارف والمؤسسات المالية وشركة الكهرباء والماء القطرية وشركة تأمين واحدة. تجربة المملكة مع الاستثمارات الأجنبية تمتد إلى سنوات طويلة تماشياً مع طبيعة الاقتصاد السعودي الحر، والتملك الأجنبي بشكل عام مسموح به في المملكة، بل إن الدولة تشجع عليه، وبعد تأسيس الهيئة العامة للاستثمار أصبح من الممكن تأسيس شركات أجنبية بنسب تملك مختلفة تصل إلى 100 في المائة. وعلى الرغم من أن السياسة المعلنة في المملكة هي تشجيع دخول رأس المال الأجنبي، إلا أن الأسهم السعودية لم تتماش مع هذا التوجه بشكل كامل حتى الآن، حيث إنه تم أولاً فتح المجال للأجانب للاستثمار في الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات، ثم سمح للأجانب المقيمين في المملكة، بغض النظر عن جنسياتهم، بتداول الأسهم السعودية، دون أي شروط تتعلق بنسب الملكية أو أي ضوابط بخصوص ما يعرف بالأموال الساخنة التي تدخل سريعاً وتخرج سريعاً. القناة الأخرى لتملك الأجانب تتم من خلال اتفاقيات المبادلة المعمول بها حالياً والتي تتيح للمستثمر الأجنبي غير المقيم شراء الأسهم السعودية من خلال وسيط سعودي مرخص له، وهي ليست طريقة عملية لدخول المستثمرين الأجانب ومكلفة ومحفوفة بالمخاطر. الخلل في اتفاقيات المبادلة أن الوسيط المرخص له يشكل تكلفة إضافية على المستثمر الأجنبي، وهناك تضارب مصالح وإشكاليات تتعلق بهوية المستثمر ومصادر أمواله، حيث إن مسألة التحقق من ذلك متروكة للوسيط، صاحب المصلحة. فبينما نجد أن المستثمر السعودي يلتزم بفتح حساب رسمي من خلال أحد الوسطاء مربوط برقم سجله الوطني، ومعروف في كل الأوقات قنوات تمويل حسابه، نجد أنه بسبب الخلل في آلية اتفاقيات المبادلة ضاعت مثل هذه الضوابط، أو على الأقل تم إضعافها بشكل كبير. لا يزال الأفراد السعوديون يسيطرون على أكثر من 90 في المائة من التداولات الشهرية، حيث نجد في المتوسط 90 في المائة من عمليات الشراء و93 في المائة من عمليات البيع هي من قبل الأفراد السعوديين، وهذا يختلف عن الأسواق الكبرى التي يشكل فيها التداول المؤسسي النسبة الكبرى من التداول. أما بقية فئات المتداولين لدينا فنسبة تداولها مقارنة بالأفراد ضعيفة جداً، تتراوح بين 1 في المائة و3 في المائة في المتوسط، ونجد أن نسبة تداول الأجانب غير العرب والخليجيين كأفراد ومن خلال اتفاقيات المتبادلة بحدود 3 في المائة من إجمالي التداولات اليومية. بالإمكان الأخذ بالنموذج الخليجي للاستثمار الأجنبي وتحديد نسبة 49 في المائة كحد أقصى، ويترك للجمعيات العامة تحديد النسبة المسموح بها على أن لا تتعدى هذا الحد. وبخصوص الشركات التي لها ظروف وطنية حساسة، يمكن إصدار تنظيم خاص بها يمنع التملك فيها بالكامل، أو يحدد نسبة معينة أقل من 49 في المائة. كما أن من المهم ملاحظة أن ملكية الشركات السعودية بشكل عام إما أن تكون مملوكة للدولة بنسب عالية تصل إلى 70 في المائة في بعض الشركات مثل "سابك" وشركة "الكهرباء" وشركة "الاتصالات"، أو أنها مملوكة لمؤسسات عائلية أو لأفراد مؤسسين بنسب عالية، حيث إن الحد الأدنى لطرح الأسهم للاكتتاب هو نسبة 30 في المائة من إجمالي عدد الأسهم، ما يعني أن التخوف من امتلاك الأجانب شركات بأكملها، أو حتى امتلاك حق التصويت، لن يكون هيناً من ناحية عملية. السوق السعودية حالياً غير مصنفة دولياً، ليس فقط من قبل شركة "إم إس سي آي"، التي أدرجت مؤخراً أسواق الإمارات وقطر ضمن الأسواق الناشئة، بل إن جميع المؤسسات المالية العالمية المعروفة لا تعترف بالسوق السعودية، ومن أهم تلك الجهات "ستاندارد آند بورز" و"داو جونز" الأمريكيتين و"فوتسي" البريطانية، حيث لا يوجد أثر لأكبر سوق في الشرق الأوسط في المؤشرات المهمة لهذه المؤسسات. وعلى الرغم من أن دولتين خليجيتين فقط حصلتا على تصنيف سوق ناشئة، إلا أن جميع الدول الخليجية - عدا السعودية - متواجدة في قوائم هذه المؤسسات بشكل أو بآخر. على سبيل المثال، عمان والبحرين والكويت والأردن ولبنان وتونس والمغرب مصنفة كأسواق ناشئة من قبل "إم إس سي آي"، والبحرين وعمان كسوقين ناشئتين من قبل "فوتسي"، وكذلك من قبل "إس آند بي" التي كذلك تصنف السوق الكويتية كناشئة، كما أن البحرين والكويت وعمان مصنفة من قبل "داو جونز" كأسواق ناشئة. فتح السوق السعودية أمام المستثمرين الأجانب خطوة في الاتجاه الصحيح من شأنها أن ترفع من حجم السيولة اليومية وتدعم عمليات رفع رأس المال وتحرك سوق السندات (إن شملها القرار)، ومن شأنها أن تعزز من مكانة السوق السعودية على المستوى العالمي بالشكل الذي يضعها في قائمة البورصات الناشئة.
إنشرها