Author

أزمة العقار.. الطريق المسدود

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
يمكن القول إنّ حلول وزارة الإسكان التي تركّزتْ فقط طوال الفترة الأخيرة على دعم جانب التمويل بالنسبة للأفراد وصلتْ إلى آخر طريقٍ ممكنٍ لها! حيث دفعتْ بآخر ورقةٍ لديها ممثلةً في برنامج التمويل الإضافي، الذي يقوم على كونه برنامج تمويل مشتركا يعمل وفق التالي: إمّا (1) إضافة قرض إضافي من المصرف المموّل إلى قرض صندوق التنمية العقارية ليشتري المواطن عقاراً جاهزاً. أو (2) شراء المصرف المموّل الأرض للمواطن، ويقوم صندوق التنمية العقارية بتمويل بناء العقار عليها. أو (3) تمكين المواطن الحاصل على قرض من صندوق التنمية العقارية، الذي قد أتمّ بناء منزله، من الاستفادة من القرض الإضافي لبناء دور جديد، أو شقة على عقاره، ورهْن عقاره لدى المصرف المموّل. أو (4) إمكانية اقتراض المواطن من المصرف المموّل قرضاً إضافياً في حال عدم تغطية قرض صندوق التنمية العقارية لتكاليف بناء عقاره، ورهن ذلك العقار لكل من الصندوق والمصرف المموّل حسب حصّة كلٍ منهما. هكذا فهمتْ وزارة الإسكان "توجيه مجلس الوزراء بالتسهيل على المواطنين لامتلاك مساكن لهم"! بأن تفتح على كاهل المواطن أبواباً أخرى تضاعف المديونيات عليهم، دون النظر من قريبٍ أو بعيدٍ إلى صلب الأزمة العقارية لدينا المتمثلة في احتكار الأراضي، وما نتج عنه من ارتفاعاتٍ قياسية للأسعار. في المقابل لم نرَ منها حتى تاريخه بعد هذه الأعوام منذ تأسيس الوزارة ما يترجم أيّ جزءٍ من استراتيجية الإسكان، التي كان من أبرز ما ورد فيها: التوسّع في توفير الأراضي للمقترضين من صناديق الدولة، وإلزام ملاك الأراضي البيضاء بدفع الزكاة، وفرض رسوم على الأراضي غير المستغلة، وإقرار خطوات للحد من المضاربة وعمليات التداولات العقارية العالية. عدا عدم تحقق أيٍّ من الوعود والتصريحات التي أطلقها وزير الإسكان قبل نحو عامٍ ونصف العام من تاريخ اليوم! كل ما تقدّم حتى الآن يعني تماماً وصول الحلول التمويلية التي تحظى في حقيقتها بالتأييد الكامل من قبل العقاريين والقلّة المستفيدة مادياً من هذه الأزمة المفتعلة. هل ستلقى النجاح والقبول من المواطنين؟ الواقع المعيشي للمواطن، زائداً المستويات السعرية الشاهقة التي وصلتْ إليها الأراضي والعقارات، وقبلهما التشوهات التي تعانيها السوق العقارية وعدم حدوث أيّ تغييرات تُذكر عليها حتى الآن، تدفع كل تلك العوامل مجتمعةً بالإجابة إلى عدم القبول بها، وإلى أنّها فعلياً تقف في نهاية الطريق المسدود! كيف هذا؟ تبيّن تحركّات أسعار الأراضي والعقارات خلال الفترة 2006-2013، أنّها ارتفعتْ في المتوسط على مستوى المملكة بأكثر من 174 في المائة "استرشاداً بتثمين الأصول العقارية في صندوق سامبا العقاري"، أي بمتوسط نمو سنوي بلغ 25 في المائة، علماً أنّها في المدن الرئيسة فاقتْ هذا المعدل بما يقارب الضعف، أي بنحو 352 في المائة "متوسط نمو سنوي تجاوز 50.2 في المائة". في المقابل لم يتجاوز متوسط النمو السنوي لأجور المواطنين في القطاع الخاص للفترة نفسها سقف الـ 5 في المائة، ومقارنةً بمتوسط النمو الحقيقي للاقتصاد للفترة نفسها 7.2 في المائة، وكما يُلاحظ أنّ المقارنة بين نمو أسعار الأراضي والعقار في المدن الرئيسة، تبيّن أنّ معدلات نموها فاقت عشرة أضعاف نمو متوسط أجور المواطنين! بناءً عليه، إذا ما أخذتْ أحد أهم معايير تقييم أسعار المساكن قياساً على دخل الفرد، المتمثل في: مضاعف أسعار المساكن إلى الدخل المتاح للفرد، وهو مقياس يستهدف التعرّف على قدرة الفرد على تحمّل تكاليف تملكّه لمسكنه، مبيناً عدد السنوات اللازمة لتملّك الفرد مسكنه وفق مستوى الأسعار السائدة، مقارنةً بمستوى دخله دون اللجوء إلى الاقتراض، فإنّ مؤدى هذا المؤشر يكشف عن حاجة المواطن وفق مستويات الأسعار الراهنة في السوق العقارية إلى أكثر من 30 عاماً لأجل تملّك مسكنه! وبمقارنته بالمؤشرات المماثلة عالمياً، فإنّه يعتبر الأعلى على الإطلاق. هذا من حيث مستوى دخل المواطن مقابل المستويات الشاهقة التي وصلتْ إليها أسعار المساكن والأراضي. هل ستعالج زيادة قدرة المواطن على الاقتراض الإضافي هذه المعضلة؟ أولاً متوسط الدخل الشهري الذي يراوح حول خمسة آلاف ريال، وثانياً مستوى القروض الاستهلاكية من المصارف، و"قروض الظل المصرفي" من مؤسسات التمويل والتقسيط المختلفة، الذي يُقدّر بلوغه بنهاية الربع الأول من 2014 نحو 702.4 مليار ريال، يؤكد أن خيارات الاستفادة من هذا الأمر تكاد تكون مسدودة تماماً! من زاويةٍ أخرى، تقع في جانب المعروض من المساكن؛ تبيّن الإحصاءات أنّ الوحدات السكنية ارتفعتْ بنهاية 2013 إلى نحو 5.7 مليون وحدة سكنية، محققة زيادة خلال العام بلغتْ 337.5 ألف وحدة سكنية، ليصل حجم الزيادة خلال الفترة 2010-2013 إلى نحو 994 ألف وحدة سكنية، أي بزيادةٍ فاقت 21.2 في المائة مقارنة بمطلع 2010، وهو ما يُشير إلى توافر قدرة البناء والتطوير لدى الاقتصاد والسوق، في حين أنّ المشكلة الرئيسة تتركّز فقط على ضعف قدرة المواطن من حيث الدخل حتى الاقتراض بضمان دخله، مقابل ارتفاع أسعار تلك الوحدات السكنية بصورةٍ يعجز عنها تماماً. وتُشير التقديرات إلى أن السوق لديها القدرة على إضافة ما يقارب 400 ألف وحدة سكنية خلال العام الجاري، وهو ما سيرفع عدد المساكن بنهاية العام إلى نحو 6.1 مليون وحدة سكنية، ما يعني أن الزيادة في المعروض من المساكن خلال الفترة 2010 - 2014 سيصل إلى نحو 1.4 مليون وحدة سكنية! ماذا يعني كل هذا؟ إنّه يعني مع زيادة المعروض مقابل إحجام قوى الطلب "المعدومة القوة الشرائية حتى الاقتراض" على الشراء بتلك الأسعار المرتفعة، أنّ وتيرة صعود الأسعار ستتوقف، وهو ما تقف عليه السوق العقارية في الوقت الراهن، ومن ثم ستبدأ في التراجع حتى تصل إلى مستوياتٍ تتعادل فيها مع مستويات دخل الأفراد، وفي حال بدأتْ تلك التراجعات وشعر بها الأفراد، فقد يقرر الكثير منهم إرجاء قرار الشراء طمعاً في المزيد من الانخفاضات، ومع استمرار الزيادة في المعروض للبيع من الوحدات السكنية، ستشهد السوق موجةً تصحيحية قد تصل إلى 50 إلى60 في المائة كنسب انخفاض، مع الأخذ في الاعتبار المواقع التي توجد فيها تلك الوحدات السكنية. وفي حال شهدت السوق تنفيذاً فعلياً من قبل وزارة الإسكان لما نصّتْ عليه استراتيجية الإسكان، من التوسّع في توفير الأراضي للمقترضين من صناديق الدولة، وإلزام ملاك الأراضي البيضاء بدفع الزكاة، وفرض رسوم على الأراضي غير المستغلة، فستشهد السوق موجةً من التراجع طويلة الأجل، تتحوّل بملف الأزمة العقارية إلى أدراج التاريخ! هل اتضحتْ الصورة الآن لدى المواطن، الذي هو الهدف الأهم هنا بالنسبة للكاتب؟! والله ولي التوفيق.
إنشرها