Author

تقلب أسعار النفط ومشكلة إدارة سعر الصرف

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
تميز النفط خلال الأربعين عاما الماضية بمروره بدورات حادة من التقلبات في الأسعار. وكما هو معروف لدينا في المملكة، مورد النفط غير المتجدد مملوك للحكومة، والاقتصاد تغلب عليه صفة الريع أي الحصول على الدخل بسهولة، أي دون دور كبير للعمل. وجود تلك الدورات الحادة في أسعار وإيرادات مورد غير متجدد، يعتمد عليه الاقتصاد عامة، والإيرادات الحكومية خاصة، يتسبب في وجود صعوبات ومتاعب كبيرة في سياسات إدارة سعر الصرف، وخاصة على المدى البعيد. ذلك أن هذه الظروف تؤثر في حركة سعر الصرف الحقيقي. واستقرار سعر الصرف الحقيقي له دور محوري في استقرار الاقتصاد وفي النمو الاقتصادي، نظرا لتعلقه بحركة رأس المال مع العالم الخارجي والمزايا النسبية في التجارة الدولية، خاصة على المدى البعيد. فمثلا، ينظر إلى سعر الصرف الحقيقي على أنه مقياس للتنافسية، ولذا يتطلب رسم السياسات الاقتصادية الكلية واستراتيجيات التنمية في الدول النامية النظر بدرجة أكبر إلى سعر الصرف الحقيقي. وللفائدة، سعر الصرف الحقيقي هو السعر الذي يقيس أسعار سلع وخدمات في دولة بالنسبة للأسعار في دولة أخرى، أو مجموعة من الدول، وفي هذه الحالة يسمى سعر الصرف الحقيقي الفعال real effective exchange rate REER. ولذا يتكون سعر الصرف الحقيقي من جزأين: الأول سعر الصرف الاسمي، كالقول إن الريال يساوي 0,27 دولار (27 سنتا) تقريبا، أو كذا من اليورو، والآخر السعر النسبي بين دولتين (سلة أسعار في دولة مقسومة على سلة أسعار في دولة أو مجموعة دول أخرى)، وتوجد طرق كثيرة للتعبير عن السعر النسبي. وقد أشارت عدة أبحاث منها البحثان التاليان: 1- The GCC countries Between Rising Oil Prices and the Sliding Greenback, W A Razzak, Department of Labor – New Zealand and Arab Planning Institute - Kuwait, 2007. 2- Methodology of CGER Exchange Rate Assessments, Lee, Milesi-Ferretti, and Ricci, 2007. أشارت إلى أن كل زيادة في أسعار النفط الحقيقية (أي المعدلة بحيث تراعى فيها نسب التضخم) يقابلها زيادة في أسعار الصرف الحقيقية لعملات الدول المصدرة للنفط، وهذا ما يتفق مع نظرية أو فكرة القوة الشرائية Purchase Power Parity PPP . وتتفاوت الأبحاث في تقدير تأثير زيادة أسعار النفط في أسعار الصرف الحقيقية. لكن من المهم الإشارة إلى أن انخفاض الدولار قد أسهم في كبح جماح ارتفاع سعر الصرف الحقيقي خلال الطفرة الحالية، بل ربما رأى البعض أن المحصلة أن سعر الصرف الحقيقي للريال لم يرتفع في المتوسط. ارتفاع الصادرات يضغط على أسعار الصرف الحقيقية للارتفاع. مرت بهذه الحالة دول الصادرات كدول مجلس التعاون وألمانيا والصين. ولكن مع تثبيت سعر الصرف تثبيتا تاما كحالة الريال، فإن تلك الضغوط لارتفاع أسعار الصرف الحقيقية تتركز على الأسعار النسبية بين الدول، بأن ترتفع أسعار ما لا يقبل الاستيراد بصورة أكبر من ارتفاع أسعار ما يقبل الاستيراد، لأن المنافسة في هذه الأخيرة أقوى، ولذا تميل معدلات الربح إلى أن تكون في الأغلب أعلى في الأولى (ما لا يقبل الاستيراد). وطبعا هذا تضخم غير مستورد. ارتفاع سعر الصرف الحقيقي يقلل من تنافسية الاقتصاد المحلي، وهذا أحد أوجه ما يسمى المرض الهولندي، Dutch disease، ويتخذ أكثر من صورة. وبالنسبة للاقتصادات الخليجية، يمكن أن نقول عنه بعبارة مبسطة جدا إن صادرات الموارد الطبيعية تتيح الحصول على النقد الأجنبي بسهولة، دون تطوير القطاعات الاقتصادية للسلع والخدمات التي يمكن أن تدخل في التجارة الدولية (تستورد أو تصدر)، ومن ثم يتركز الاستثمار والنشاط الاقتصادي في قطاعين كبيرين: قطاع الموارد الطبيعية، وقطاع الخدمات التي لا يمكن أو يصعب منافستها من الخارج (لا تقبل المتاجرة دوليا)، من الحلول المقترحة لتحسين إدارة سعر الصرف في الدول المعتمدة اقتصاداتها على صادرات النفط اتخاذ سعر صرف يتسم بقدر من المرونة. كيف؟ عبر تطوير سعر صرف يدخل سعر النفط ضمن سلة العملات المرتبطة بها العملة الوطنية - الريال في حالة السعودية مثلا، وسمى باحثون أكاديميون هذه الآلية بربط السعر التصديري peg export price (PEP). والبحث التالي مثال. Peg the Export Price Index: A Proposed Monetary Regime for Small Countries, Journal of Policy Modeling, June 2005.
إنشرها