Author

أسعِدْ موظفيك .. تُسعِدْ عملاءك

|
كم مرة دخل أحدكم "متجرا" ولم يحظَ باهتمام البائعين، ولو حتى بابتسامة ترحيب أو اتصال بصري ينم عن الاحترام والتقدير لقيمة العميل الواقف أمامهم؟ أكاد أجزم أن جُلكم قد واجهته وتواجهه تجارب غير سعيدة أثناء التسوق، تدفعه إلى أن يأخذ عهدا على نفسه بمقاطعة هذا المتجر أو ذاك. بالنسبة لي، فإنني أتفحص في "سلوك" موظفي المتاجر والأسواق داخل السعودية وخارجها، وأدقق في طريقة تعاملهم مع العملاء، وأتساءل: ما الذي يجعل موظفي المتجر "أ" أفضل خدمة وتعاملا من موظفي المتجر "ب" علما أن كليهما يزاولان النشاط نفسه؟ هكذا أفعل دوما، أقارن بين مجموعتين (كل مجموعة تضم أسواقا، ومطاعم، وفنادق، وخطوط طيران)، المجموعة الأولى "متميزة" من حيث جودة خدمة العملاء، ورقي تعامل الموظفين، والمجموعة الأخرى "متعثرة" بكل دلالات التعثر! فمثلا أقارن بين الخطوط الإماراتية (نموذج متميز) وبين الخطوط السعودية (نموذج متعثر)، وعلى هذا المنوال يمكنكم إعداد قوائم مقارنة، وستجدون أن أحد الأسرار في تميز المتميز أن القائمين على إدارة المنشأة المتميزة اهتموا بالعميل من مدخل اهتمامهم بالموظف، بالإضافة طبعا إلى حسن اختيار الموظفين، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب مع تدريبهم وتأهيلهم لخدمة العملاء، وهذه أمور أهملتها المنشآت المتعثرة. مع الأسف، نلاحظ أن بعض المؤسسات تتشدق أمام وسائل الإعلام بمقولة "إن الموظفين أثمن مواردنا"، لكنها فعليا مؤسسات غير مقتنعة بذلك الشعار، وتغفل أن الموظف هو إنسان يتأثر إيجابا بالتشجيع والتحفيز، ويحتاج إلى تلبية مجموعة متطلبات، والحصول على الدعم والرعاية اللتين تمكنانه من رعاية عملاء المؤسسة، بل إن بعض المديرين في هذه المؤسسات يتبع المنهج "الميكانيكي" الذي يرى أن الموظف مجرد "قطعة" في ماكينة كبيرة، يجب أن يعمل بلا كلل أو ملل، وإذا لم يكن يعمل، فيجب عندئذ أن يرمى كأي "قطعة" تالفة، ويستبدل بـ "قطعة" جديدة! وعلى العكس من ذلك، نجد أن المديرين الذين يتبعون المنهج "الحيوي"، يرون أن الموظف كائن حي - وليس مجرد قطعة - وبالتالي، فإن هذا الكائن له متطلبات عضوية ونفسية، يجب أن نجتهد في تلبيتها قدر الإمكان. ولعلي أتذكر تجربة "إيجابية" لي في أمريكا، عندما قررت للمرة الأولى إرجاع سلعة مشتراة من أسواق "كوستكو" Costco، كنت أتوقع - بحكم أننا معتادون في السعودية على عبارة "البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل" - أن موظفة خدمة العملاء سوف تعبس في وجهي وترفض إرجاع السلعة، لكن هذا التوقع خاب ما أن ابتسمت الموظفة، وأعادت إلي بكل طيب نفس ثمن السلعة في دقائق دون جدل أو نقاش (كانت صدمة حضارية .. لكن إيجابية)! بعد أن لامست المستوى العالي من خدمة العملاء لدى أسواق "كوستكو" - وهي من أكبر أسواق الجملة في أمريكا - أدركت بعد "محادثات" مع عدد من الموظفين في فروع مختلفة أن الشركة تعتني حقا بالموظف من جميع الجوانب، بدءا من محاولة التوفيق بين ساعات العمل والمتطلبات الخاصة للموظفين (جدولة النوبات)، مرورا بتوفير فرص التدريب والتأهيل، إلى صرف المزايا المالية وغيرها من التعويضات والمنافع. ولهذا، إذا لم يقم صاحب العمل باحتواء الموظف بالرعاية اللازمة، فسيشعر الموظف حينئذ بالإحباط والخذلان، وقد يتطور الشعور فيصبح شعورا بـ "النقمة" تجاه المؤسسة، وعملائها، وممتلكاتها، أي أن المورد الثمين قد يتحول إلى مورد خطر قابل للانفجار! فالموظفون - مهما كانت أعمالهم - يتحفزون عندما يجدون أن الإدارة تهتم بهم من الناحية الوظيفية (ترقية، تعويض، تدريب وتطوير) ومن الناحية الاجتماعية (الاهتمام بحياتهم الخاصة والأسرية)، ولذلك، يمكن للمؤسسات أن تستعين بـ "هرم ماسلو" لتطبيقه في مجال الموارد البشرية بصورة منظمة على النحو التالي: - تلبية المتطلبات الأساسية عن طريق صرف الرواتب في وقتها وبالمقدار المتفق عليه، ومنح الإجازات، وتوفير المكاتب والمرافق اللائقة. - تلبية متطلبات الأمان والسلامة عن طريق توفير بيئة عمل آمنة وصحية وخالية من المخاطر مع تقديم الرعاية الطبية. - تلبية متطلبات الانتماء عن طريق تنظيم أنشطة وفعاليات اجتماعية وترفيهية ورياضية تعزز العلاقات بين الموظفين. - تلبية متطلبات التقدير عن طريق إنشاء برامج للتقدير والعرفان لمكافأة الموظفين المتميزين. - تلبية متطلبات تحقيق الذات عن طريق وضع برامج للتطوير الوظيفي والتعاقب الإداري. ومن خلال الرصد والتجربة، نلاحظ أن بعض المؤسسات تكتفي بتلبية المتطلبات الأساسية فقط، وتعامل الموظف وكأنها تقول له "خذ راتبك، واحمد ربك".. لا شيء سوى الراتب يقدم له، ذلك الراتب الذي ربما لا يكفي لتسديد التزامات الشهر أو يتأخر في أشهر أخرى! كم من المؤسسات لدينا سألت موظفيها عن تطلعاتهم الوظيفية؟ كم منها سألت إن كانوا يسكنون في منازل مملوكة أو مستأجرة وبالكاد يستطيعون تسديد قيمة إيجارها؟ وكم منها سألت موظفيها عن أبنائهم، وإن كان هناك ما يمكن أن تساعدهم في رعاية صغارهم، لأمر يتعلق إما بالدراسة أو الصحة؟ وكم مؤسسة عندنا سألت موظفاتها إن كن يواجهن مشكلات في النقل من البيت إلى العمل والعكس؟ إن تركيز الموظف وإنتاجيته لن تكون بالمستوى المأمول إذا كانت الهموم تلاحقه ليل نهار، من سكن إلى رعاية طبية إلى تعليم للأبناء إلى تسديد للديون.. ولهذا فلو خصص كل مدير "خمس دقائق" من وقته كل يوم ليستمع إلى المشكلات الخاصة بأحد موظفيه (وقت فضفضة)، وأسهم هذا المدير بجهوده وصلاحياته في معالجة إحدى مشكلات الموظف وتفريج همومه عنه، لوجدنا الموظفين عندنا يعشقون العمل إلى درجة قد يسكنون في مكاتبهم!
إنشرها