سلطنة عمان إليها خالص الحب

اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وإن الحب الذي لا قاع ينتهي إليه غورا بعيدا في قلوبنا هو حبنا لسلطنة عمان وشعبها وسلطانها العظيم الذي صنع من ملح البحر المتناثر أجمل مدن شقائق النعمان، وجنائن الموز، وباسقات النخيل، ومجاني البحر الذي لم يفقد كرمه، إذ جاوره الكرام على سواحله، إن النوايا الطاهرة مدرة للرزق، جالبة للخير بكل أنواعه، ومع اختلاف سبله، ومجاري سواقيه.
السلطان قابوس دام ظله الوارف، جميل الحضور، يمتلك القدرة على صبر الفلاسفة، في إدارة التغيير، يقظ في قراءة المآل، يقظ في فهم العواقب، بصير بتفاصيل الحاضر كل الحاضر القريب والبعيد. هذا مكنون سياسة سلطنة عمان لمن يتحدث عنها ولا يعرفها، لمن يرغي بما لا يفهم ولا يعي ولا يبصر شيئا.
إنها أبصرت تحريضا على حرب ثالثة لن تكون منجزات الخليج إلا عصفا مأكولا بعدها، لا تبقي مدينة إلا وهي هدف محتمل لها، وإن الرابح غيرهم، وأن الخاسر هم فكان لا بد أن يلملم ما لا نحتمل خسائره بقوة السياسة لا بسياسة القوة.
كل العقلاء يُدرك أن التميز بين الأشياء والحكم عليها يحتاج أحيانا إلى بعض الوقت، ويقتضي في أكثر المرات أن يكون بعيدا عمن لا يرغبه ولا يتمناه ولا يشتهي أن يقع وهذا يجعله سرا لا يظهر نفسه إلا ساعة الميلاد لمكنون هي لحظة الإنجاز العظيم.
الذي رحبت به دول مجلس التعاون في مؤتمر الكويت الأخير بالإجماع، أن السياسة لا تبدل الجغرافيا ولا تغير مواقع الدول، وهذا ما يجعلنا نتحرك بعقل عظيم النضج، صبور، بالغ الحكمة، كما هو عقل عمان وسلطانها ورجالها الشرفاء.
أود أن أذكر إخواننا الكبار منزلة، والكبار في قلوبنا، ومحبتنا لهم شعب سلطنة عمان، أن هناك دائما فارقا بين الحقائق والظواهر وهناك فارق بين - الشتامة الجاهلة - التي تتبرع بالشتم طلبا للأجرة، وبين جوهر الشعب وحكامه وسياسته. فإن تبرع شاتم بالنقيق فتلك صفة طبع للضفادع لا تملك القدرة على العفة عنه، ولا تستطيع أن تتركه حتى ولو قادت الأفاعي إليها.
أو أن أردد على أسماعكم الطاهرة أن موسى بن عمران- عليه السلام- طلب من ربه ألا يهلك بني إسرائيل بما فعل السفهاء من قومه..! وأن يرسلهم إرسال من لا حاجة إليه فيهم.. إرسال السائبة التي تأكل نبات الصحاري وترغي حتى يظهر الزبد على شدقيها. يشيح الناظر عنه صيانة لنظره، وكرامة لذوقه.
إن كل تعميم يمكن أن يوسع دائرة الخلاف، وأن يسمح لكثير من الغربان بالنعيق من الجانبين، ويوسع للمتاجرة في سوق بياعي الأكفان الذين يدعون الله على العباد بالموت لتنتشي تجارتهم، ويتضاعف ربحهم.
ما ينبغي ألا ينساه العمانيون أنهم نحن، وأننا هم، بلا فاصلة، ودون سقوط حجاب. ذاك نبأ مقره رحلة الأرحام، وانتقال الأجنة، ومحاضن الأمهات. ومجاري الدم وأصول التاريخ، الذي يروي الملح والخبز والدم في مآلنا وعند لحظات العزائم من حروبنا المشتركة.
بمقدار ما يقول من لا عهد لهم بالتعدد في الرؤية، والتقابل في الرأي، هم قوم يخال الرشيد منهم أن من يخالفه سقط في أسفل سافلين الجهل والجهالة. عقول اعتادت على ألا تحترم نفسها بالمقدار الذي يجعلها تحتشم وتحترم غيرها من الخلق.
وهذا وبال عظيم فمن كانت نفسه مكسورة من الداخل لا تتكامل عليها صورة، ولا يرى بها شيئا إلا ناقصا وغير تام. وهذا سبب أنك لا تسمع صوته ولا ترى صورته إلا عند كل شتيمة وعند كل وضيعة، وخسيسة وبذيئة.
من يعرف أهل عمان يعرف أن طهارة قلوبهم، كما هي سواحلهم، هي من الخليج.. أجملها، وأطهرها، وأكثرها نقاء وشرفا عظيما.

يا أيها السادة الكرام
قد نستعجل أمرا في السياسة، أنتم لا ترغبون في العجلة فيه، وقد نختار أمرا أنتم ترون الحكمة في تركه، وقد نؤيد ما لا ترغبون في تأييده. وهذا كله تام وكامل في سياق قديم من تاريخ المنطقة وسياسة الحكم فيه. وحكمة الماضين من رجاله.

يا أيها السادة الكرام
الحب بيننا شعوبا - وأحسب أيضا - وحكاما كالليل إذا ترحل قمره، يوغل جمالا بنجومه وبكواكبه المضيئة، وبحس الجمال الساكن في سره الظاهر، وفي جمال ظهوره المكنون.
دعونا نختلف في السياسة ونلتقي.. كما هي القصة في رجعها القديم.. قصة حبنا الطاهر العظيم لبعضنا..
ولا نهلك بما يقول السفهاء منا.. إنهم كالبومة التي تظهر ليلا تقتات على القوارض وكل خسيس ووضيع.
فأنتم أهل الجمال الآسر في الأخلاق والكرم والشهامة.. وأنتم أهل العذوبة التي لا توصف. اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي