لماذا تتفوق سنغافورة على دول الخليج العربية؟

كثيرة هي المعجزات الاقتصادية في عالم اليوم، ولكن لا أظن أن معجزة استأثرت بمثل الاهتمام الذي يسبغه المختصون على المعجزة السنغافورية.
هناك تشابه وتقارب بين سنغافورة وبين أغلب دول الخليج العربية، وقد أجريت مقاربة بينها وبين إحدى دول مجلس التعاون في هذا العمود.
عالم اليوم هو عالم الاقتصاد. تأثير أي دولة في محيطها والمحيط الدولي يستند أولا وأخيرا إلى متانة اقتصادها. كلما زاد رخاؤها المبني على أسس توطين الصناعة والتكنولوجيا والخدمات، زادت ثروتها ومكانتها لدى الأمم. نفوذ الأمم والدول اليوم يتوقف على مدى قوتها الاقتصادية.
قد تكون هناك دولة غنية جدا ولكن تأثيرها في محيطها والمحيط الدولي لا يوازي ثروتها. الثروة الحقيقية اليوم مبنية على أسس التمكن من حلقات التكنولوجيا المتطورة والتشبث بحلقات خاصة تملكها هي دون غيرها أو في أقل تقدير لها نصيب وافر في توفيرها محليا وتصديرها.
دول الخليج العربية غنية دون شك وبعضها يقع في خانة أغنى دول العالم ولكنها فقيرة جدا من ناحية التمكن من ناصية العلم والمعرفة في حلقاتهما المتطورة، وإن وجدت بعض الحلقات فإنها غير مستوطنة، أي نسخها الصاعد والنازل لا يزيِّت عجلة الاقتصاد المحلي من حيث العمالة والتربية والتعليم.
سنغافورة بملايينها الخمسة ما هي إلا ورشة صناعية وتكنولوجية استطاعت الاستئثار بحلقات فائقة التطور يسيل لها لعاب أكثر الدول تطورا في الغرب أو جنوب شرق آسيا. نسبة عالية من اقتصادها الكبير تستند إلى الصادرات التكنولوجية من هذا الطراز الذي تنافس فيه دول شمال أوروبا مثل السويد والدنمارك والنرويج ودول أخرى مثل سويسرا وغيرها.
بدأت سنغافورة نهضتها من خلال صناعات تقليدية، ولكن طورتها بسرعة ووصلت إلى إنشاء وتأسيس معامل تنتج أكثر البضائع تطورا في العالم. ومع هذه النهضة الصناعية سنت قوانين وتشريعات جعلتها في فترة قصيرة واحدا من أهم المراكز المالية والتجارية في العالم.
هذا التطور الهائل مسنود محليا ووطنيا من خلال برامج تربوية وتعليمية وجامعية وبحثية تعد الأرقى في العالم. سنغافورة تهتم بالتربية والتعليم بطريقة تذهلنا نحن الأكاديميين في السويد إلى درجة أننا أسسنا مركزا بحثيا خاصا لدراسة الظاهرة السنغافورية في التعليم في جامعتنا للنظر في كيفية الاستفادة منها.
وهكذا كل الحلقات التكنولوجية والصناعية المتطورة في سنغافورة يدعهما نظام تربوي يرفدها بأبحاث علمية رصينة وعملية تزيد من مكانة البلد الصناعية متانة، وكذلك يرفدها بعمال مهرة من خريجي المعاهد والجامعات.
ولا تبخل سنغافورة في مسألة التربية والتعليم وهي على استعداد لجذب أكثر العقول الجامعية شهرة في العالم للتدريس في ثانوياتها وجامعاتها ومعاهدها.
وتشكلت في سنغافورة طبقة وسطى غنية جدا من العمال والمدرسين والمعلمين والأطباء والممرضين والموظفين وغيرهم، يتمتعون بمستوى معاشي يعد الأعلى في العالم، وطاقة شرائية تمكنهم من امتلاك ما يرغبون فيه، والمشاركة في نوادٍ هي حصر على أغنياء القوم في كثير من الدول المتطورة.
هناك أجانب في سنغافورة ولكن بنسب أقل بكثير مما هو موجود في الخليج العربي، حيث إن عددهم لا يتجاوز 20 في المائة، بينما نسبة الأجانب في بعض دول الخليج العربية قد تصل إلى 90 في المائة.
والتعامل مع القادمين حتى الذين لا مؤهلات ولا مهارات لديهم يختلف كثيرا. فالفراش والكنّاس والحارس يتمتعون بمستوى معاشي قريب مما لدى الطبقة الوسطى.
بالطبع لقد ولّد قدوم الأجانب غير المهرة وطريقة التعامل الإنسانية معهم، حيث يعاملون مثل المواطنين من حيث المعاش والامتيازات، توترا وحساسيات وبعض المشاكل، ولكن سنغافورة تعمل جهدها لحلها من خلال سياسات التوطين وإدخال التكنولوجيا وإقناع المواطنين بأنه عليهم العمل ساعات أكثر وبذل جهد أكبر، واقتناص فرص العمل التي يراها البعض وضيعة، لأن مردودها المادي مساوٍ تقريبا للوظائف الحكومية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي