Author

هل «الزكاة» في حاجة إلى نظام «ساهر»؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
اختلط الحابل بالنابل حينما نُشر في العديد من وسائل الإعلام عن تحصيل مصلحة الزكاة والدخل إيرادات بنحو 776.1 مليار ريال عن العام المالي 2012، تم تحويلها إلى خزانة الدولة! كان مصدر اللبس الذي تشكّل لدى العموم، أنّ تلك الإيرادات في أغلبها جاء من الزكاة على عروض التجارة ''2.5 في المائة من الوعاء الزكوي''، كما نصّتْ عليه القاعدة الشرعية، والتي تعمل بمقتضاها المصلحة. صدرتْ لاحقاً تصريحات من المدير العام لمصلحة الزكاة والدخل لإيضاح الأمر، وإزالة الغموض الكبير لدى الإعلام والرأي العام جرّاء هذا التصريح، الذي صدر لأوّل مرّة من المصلحة بهذه الصيغة؛ ذلك أنّ المصلحة اعتادتْ الإعلان فقط عن كل من متحصّلات الزكاة والإيرادات الضريبية كل عام، والتي لم تصل مجتمعةً حتى إلى 4 في المائة من الرقم المعلن 776.1 مليار ريال!. يتبيّن وفقاً للتقرير السنوي للمصلحة أن مصادرها آتية من: أولاً: إيرادات الزكاة المستقطعة بـ 2.5 في المائة من الوعاء الزكوي لعروض التجارة، والتي تجاوزت 11 مليار ريال من وعاء زكوي ناهزتْ قيمته 500 مليار ريال، يتم تحويلها بالكامل إلى حساب وزارة الشؤون الاجتماعية، وتتولى وكالة الضمان الاجتماعي إنفاقها على مستحقي الضمان المسجّلين لديها وما زالوا على قيد الحياة. ثانياً: إيرادات ضريبة الدخل المفروضة على الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، وتحتسب بسعر ضريبة على الوعاء الضريبي بواقع 20 في المائة من صافي دخل تلك الشركات الأجنبية، وتُدفع متحصلاتها إلى وزارة المالية. ثالثاً: إيرادات ضرائب الاستقطاع على شركات النفط والمواد الهيدروكربونية والغاز الطبيعي، والتي تستقطع وفقاً لأسعار محددة بعد خصم كل من مصروفات الشركات العاملة في تلك المجالات، و20 في المائة ريع ضريبي. ووفقاً للوائح وأنظمة المصلحة يتم تحصيل الضريبة المفروضة على المكلّف العامل في مجال إنتاج الزيت والمواد الهيدروكربونية بسعر ضريبة 85 في المائة، وبالنسبة للمكلف العامل في مجال استثمار الغاز الطبيعي فقط، فإن سعر الضريبة يبلغ 30 في المائة، تقوم المصلحة بعد تحصيلها بإيداعها في حسابات الدولة لدى وزارة المالية لتمويل النفقات العامّة للحكومة. يتبيّن مما تقدّم أنَّ البند الثالث هو المصدر الأكبر للإيرادات الهائلة، التي أعلنتها مصلحة الزكاة والدخل الأسبوع الماضي، وكما يتضح أنّها شكّلتْ أكثر من 96 في المائة من إجمالي إيراداتها، فيما لم تتجاوز نسب إيرادات الزكاة وضريبة الدخل منفردتين سقف 2 في المائة من إجمالي إيرادات المصلحة. يثور هنا سؤالان بالغا الأهمية: السؤال الأول: هل يُعقل أن يكون الوعاء الزكوي لعروض التجارة عن عام 2012 نحو 500 مليار ريال فقط، يتم استقطاع 2.5 في المائة كزكاة؟ السؤال الثاني: هل يعقل أن الوعاء الضريبي للشركات الأجنبية ممثلاً في صافي دخلها لم يتجاوز 70 مليار ريال عن العام نفسه، يتم استقطاع 20 في المائة كضريبة دخل؟ أُشير قبل الإجابة إلى خمسة معوّقات ذكرتها المصلحة في تقريرها، ذكرتْ أنها كانت ولا تزال تعوق رفع قدرتها التحصيلية من تلك الأوعية، خاصةً فيما يتعلّق بتحصيل الزكاة، كان من أبرزها: تهاون المكلفين في إنهاء موقفهم الزكوي، وسبب ذلك لعدم وجود غرامات في نظام إجراءات الزكاة الحالي. عدم تقديم بعض المكلفين لحسابات نظامية توضح حجم أعمالهم السنوية. ضعف تعاون معظم الجهات الحكومية مع المصلحة فيما يخدم عملها، وقيام تلك الجهات بتجديد الرخص والسجلات التجارية دون اشتراط تقديم شهادة الزكاة سارية المفعول. عدم قدرة المصلحة على استقطاب الكفاءات المحاسبية المتميزة لسد العجز الكبير لديها في الموارد البشرية، وعدم وجود تناسب بين أعداد المحاسبين الأكفاء من جهة، ومن جهةٍ أخرى حجم ومتطلبات عملها في السنوات الأخيرة، خاصة مع نمو النشاط الاقتصادي وزيادة أعداد المكلفين، وبروز أنشطة وكيانات قانونية جديدة وتخصصات متنوعة على مشهد الاقتصاد الوطني. في رأيي أن حقيقة أغلب ـــــ إن لم تكن كل ــــ تلك المعوقات تدين المصلحة، أكثر من كونها ''تبريرات'' تتخذها حجّة لعدم قدرتها على رفع متحصلاتها المالية، سواءً من الزكاة أو ضرائب الدخل! لعل أبرزها ''عدم قدرة المصلحة على استقطاب الكفاءات المحاسبية المتميزة''، لماذا وقفتْ المصلحة ومعها وزارة المالية مكتوفة الأيدي أمام هذا ''العذر البليد''؟ إنّ في مقدور الجهازين بناء هيكل تنظيمي وسلّم رواتب جاذب لأي كفاءة بشرية تحتاج إليها، وليس فقط في مجال المحاسبة. وبالنسبة للمعوّق المضحك المبكي ''ضعف تعاون معظم الجهات الحكومية مع المصلحة فيما يخدم عملها''، يكفي القول إن أغلب الجهات الحكومية تستخدمه ''كعلاقةً'' لتقصيرها، فالجميع يشتكي من الجميع بعدم تعاونهم معه! إنّه خللٌ كبير يستوطن أغلب أروقة تلك الأجهزة الحكومية، طالما أنكره بعض المسؤولين في ردودهم على الإعلام والرأي العام، لكن كما يبدو ''لا مانع'' من استخدامه كحجة لتبرير محطات الفشل! أعود إلى ما قبل ''معوقات'' المصلحة، ألا وهو حجم كل من الوعاء للزكاة ولضرائب الدخل. فالأول ''الوعاء الزكوي'' كما أوضح التقرير بلغت قيمته 500 مليار ريال، في حين لو تمّ رفع كفاءة أداء المصلحة تجاه هذا الأمر، لوجدنا وفقاً للبيانات الرسمية العديدة الشاملة للثمانية أقسام المكوّنه للوعاء الزكوي ارتفاعاً في قيمته لأكثر من 2.5 تريليون ريال حتى نهاية 2012، ما سيعني زيادة إيرادات الزكاة لنحو 63 مليار ريال ''زيادة بـ 52 مليار ريال تعتبر مهدرة''. هذا جانب، الجانب الآخر الأكثر أهمية هو غياب ''العقارات والأراضي'' بغرض التجارة عن أوعية الزكاة الشرعية، التي لو أُضيفتْ كوعاء زكوي تُقدّر قيمته السوقية بأسعار اليوم كعقارات مؤجرة وأراض لغرض التجارة بأكثر من 5.5 تريليون ريال، تُقدّر زكاتها منفردة بنحو 138 مليار ريال! وبإضافتها إلى الزكاة الواجبة التحصيل المبيّنة أعلاه، يصبح إجمالي متحصلات الزكاة تقديرياً أكثر من 200 مليار ريال، وليس فقط ما يحوم حول الـ 11 مليار ريال سنوياً. والحديث ذاته يمضي على ضرائب الدخل، التي تتناقض بحجمها الراهن مع وجود نحو 750 مليار ريال كاستثمارات أجنبية موجودة في البلاد حتى نهاية 2012، عدا تلك التي تتحرك في رحم اقتصاد الظل، والتي لو تم الوقوف أمامها بحزم وجدية وتنظيم ورقابة، لرأيت متحصّلات ضرائب دخل لا تقل عن تسعة أضعاف المحصّل منها في الوقت الراهن.. الواقع يقول إننا في حاجةٍ ماسّة إلى نظام ''ساهرٍ'' آخر على المتحصلات المهدرة هنا، وإنّه عند الوطن والمجتمع لأهم مليون مرةٍ من نظامٍ يقتات على سرعة السيارات في شوارعنا المزدحمة.
إنشرها