Author

عبثية مقارنة الرواتب مع قطر وأبوظبي

|
شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حملة مكثفة تطالب برفع رواتب منسوبي الدولة. ولقيت الحملة بالطبع حماساً منقطع النظير لكثرة منسوبي الدولة. وجرت في هذه الحملة مقارنة عبثية بين مستويات رواتب موظفي الدولة في المملكة ونظيراتها في بعض الدول والإمارات الخليجية عالية الدخل "قطر وأبوظبي بالتحديد". ولم تأت هذه المقارنات من أجل البحث العلمي فقط، وإنما مطالبةً بضرورة رفع الرواتب بنسب مرتفعة. وجاء اختيار قطر وأبوظبي لأنهما الأعلى في مستويات الرواتب في منطقة الخليج ولزيادة الضغط من أجل رفع الرواتب في المملكة. ومن حق أي شخص أن يقارن كيفما شاء، ولكن عليه إدراك اختلاف الأحوال والأوضاع الاقتصادية بين البلدان إذا كان يسعى للنظر في مطالبه بالمساواة مع الآخرين. وتبرز اختلافات هائلة وجوهرية بين أوضاع وقدرات المملكة وقطر وأبوظبي، سواءً من ناحية الحجم والمسؤوليات والإمكانات المالية والمتغيرات الاقتصادية المنسوبة للفرد أو الموظف. ولا تفوق مستويات الرواتب في أبوظبي مستويات الرواتب في المملكة فقط، بل تتفوق حتى على مستويات الرواتب في الإمارات الأخرى الموجودة في اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة الكونفيدرالي، التي هي جزء منه. وتعتبر إمارة أبو ظبي ودولة قطر من أغنى الإمارات والبلدان في العالم بالنسبة لسكانهما "تأتي مدينة أبوظبي كأغنى مدينة في العالم، حيث يوجد بها ما لا يقل عن 75 ألف مليونير، أو قريباً من عُشر سكانها". وتصل رواتب المدنيين في الإمارتين إلى أكثر من ضعف رواتب المدنيين في المملكة أو أكثر من ذلك بقليل. وتتجاوز رواتب العسكريين في أبو ظبي وقطر رواتب نظرائهم في المملكة بعدة مرات، ولكن نسبة كبيرة من العسكريين إن لم يكن غالبهم في جيشي أبوظبي وقطر هم من غير المواطنين ويتلقون رواتب متدنية. وقد فوجئت بأحد معارفي وهو يقارن في لهجة توحي بطلب المساواة بين رواتب كبار الضباط في قطر والمملكة، حيث ذكر لي أن راتب الضابط برتبة اللواء يصل إلى 150 ألف ريال في الشهر، وهذا الراتب يفوق راتب الوزير عندنا بنحو ثلاث مرات. ويتغافل المقارنون بين مستويات الرواتب في الدول عالية الدخل عن الفروقات الكبيرة بين الأوضاع الوظيفية في المملكة وفي قطر أو أبو ظبي. فعدد الضباط برتبة لواء في قطر مثلاً أقل من عدد الوزراء في المملكة، كما أن معدل إيرادات الدولة بالنسبة للموظف أو المواطن أعلى بكثير في قطر وأبوظبي منها في المملكة. وأعتقد أن من يقارن مستويات الرواتب في المملكة أو يطالب بمساواتها مع مستويات الرواتب في أبو ظبي أو قطر كمن يطالب الحكومة النيجيرية بمساواة رواتب منسوبيها بمستويات رواتب منسوبي الدولة في المملكة، لأنها دولة مصدرة للنفط مثل المملكة. ولن تستطيع المملكة بإمكاناتها الحالية أو المنظورة مساواة رواتب منسوبيها بمستويات الرواتب في قطر وأبوظبي. ويصل سكان المملكة إلى ما لا يقل عن 15 ضعف سكان كل من أبو ظبي وقطر، كما أن عدد المواطنين في المملكة قد يصل إلى 100 ضعف عدد مواطني أبو ظبي أو قطر. ويتجاوز معدل الناتج المحلي للفرد في كل من قطر وإمارة أبوظبي أضعاف نظيرهما في المملكة بما لا يقل عن أربع مرات. والمملكة دولة كبيرة بالنسبة لقطر أو أبو ظبي، ولهذا تتحمل مسؤوليات إضافية في مجالات الدفاع والأمن والتنمية والبنية التحتية. ويتركز توظيف العمالة الوطنية في المملكة وقطر وأبوظبي في القطاع الحكومي وإن كانت نسبة التركيز أعلى بالنسبة لقطر وأبو ظبي. وتتوافر بيانات عمالة تفصيلية عن قطر أكثر من أبو ظبي. ويبلغ حجم العمالة الوطنية في قطر أكثر من 70 ألف شخص بقليل، يعمل نحو 50 ألفا منهم في القطاع الحكومي. ويزيد حجم العمالة الإماراتية في أبو ظبي على مائة ألف، بينما يصل حجم العمالة الوطنية في المملكة إلى نحو 5.3 مليون شخص يعمل أكثر من مليوني شخص منهم في القطاعات الحكومية. وبهذا يفوق حجم العمالة الوطنية في المملكة حجم نظيرتها في قطر بنحو 75 مرة، بينما يفوق حجم العمالة الوطنية الحكومية في المملكة نظيرتها في قطر بما لا يقل عن 40 مرة. وبنظرة سريعة على إيرادات الحكومة القطرية مثلاً نجد أنها تتجاوز 70 مليار دولار، بينما يصل حجم الإيرادات الحكومية في المملكة إلى نحو 300 مليار دولار. وهذا يعني أن الإيرادات الحكومية للموظف القطري الواحد تصل إلى نحو 1.4 مليون دولار، بينما لا تتجاوز نظيرتها في السعودية عُشر هذا المبلغ. إن باستطاعة دولة قطر وإمارة أبو ظبي دفع عشرة أضعاف مستويات الرواتب في المملكة مع الحفاظ على نسبة الرواتب نفسها للإنفاق العام في المملكة، ولكن حكومتي الإمارتين الخليجيتين تدفعان لمواطنيهما أقل من هذه النسبة بكثير. وكما يشتكي الكثير من مواطني المملكة من ارتفاع تكاليف المعيشة، وخصوصاً السكن، يشتكي الكثير من مواطني دولة قطر وإمارة أبو ظبي، وذلك على الرغم من مستويات الرواتب المرتفعة فيهما. وتصل إيجارات الشقق السنوية في أبوظبي أو قطر إلى أكثر من 200 ألف ريال. ويتقاضى الجامعي حديث التخرج العامل في الحكومة القطرية نحو 20 ألف ريال ولكن عليه أن يدفع 60 في المائة أو أكثر من هذا الراتب مقابل إيجار شقة صغيرة، ويسري الشيء نفسه في إمارة أبو ظبي. ومن الملاحظ بصورة عامة أن ارتفاع رواتب الموظفين في دول الخليج أو رفعها يتزامن مع ارتفاع إيجارات وأسعار المساكن. ولهذا يبدو أن المستفيد الأول من زيادة الرواتب في دول الخليج هم ملاك العقار وليس الموظفين. وقد ارتفعت الرواتب الحكومية بأكثر من 30 في المائة في المملكة خلال السنوات العشر الماضية، ولكن ارتفاع تكاليف الإيجارات بأكثر من هذه النسبة بكثير، وارتفاع تكاليف بناء المساكن وخصوصاً أسعار الأراضي بأكثر من ثلاثة أضعاف قد ألغى كل المنافع من هذه الزيادات، بل وخفض من مستويات معيشة الشرائح السكانية التي لا تملك مساكنها. ويمكن القول إن مساعدة عموم السكان على تملك منازلهم وتحسين تغطية ونوعية الخدمات التعليمية والصحية أجدى بكثير من زيادة الرواتب وخصوصاً للشرائح السكانية منخفضة الدخل.
إنشرها