Author

كيف.. ومتى.. ستتراجع أسعار العقار؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
على الرغم من التقدّم الذي أحرزه علم الاقتصاد، وتحسّن قدرته على التنبؤ بمستقبل مختلف لكثير من المتغيرات الاقتصادية، إلا أن قدرته على التنبؤ بالأهم كالتغيرات المفاجئة في اتجاهات الأسعار صعوداً أو هبوطاً، أو تفجّر الأزمات الاقتصادية والمالية كالأزمة المالية العالمية الأخيرة 2008م، أؤكّد أنه لا يزال أدنى من ذلك الحلم الذي يراود أغلب الاقتصاديين إنْ لم يكن كلّهم! وتزداد تلك المهمّة أو الحلْم صعوبةً كلّما تضاءلتْ المعلومات اللازمة للتحليل والتقييم والتنبؤ! ورغم ذلك يجب ألا يتوقّف الباحثون عن إجراء دراساتهم الرصينة بما يتوافر من معلومات وإنْ شحّتْ. أحياناً أخرى؛ قد تتوافر المعلومات وتتدفّق بصورةٍ تفوق الوصف، بل قد تتضارب أحياناً في دلالاتها! يؤثّر هذا بدوره إضافةً إلى مستوى خبرة وقدرة الباحث الاقتصادي في النتائج والتقييمات التي تنتهي بها تلك التقارير والدراسات، دعْ عنك الأثر السلبي لحالة التحيّز التي قد تطغى على توجّهات شخصية الباحث. خلاصة القول؛ لا يوجد حتى هذا التاريخ وصفْةً اقتصادية سحرية تؤهّل للتنبؤ بالتحركّات المفاجئة لأي من المتغيرات الاقتصادية، وفي الوقت ذاته لا يمنع ذلك أنْ تصيب الهدف بعض تلك التنبؤات المعدودة جداً، التي غالباً ما توصف عند ولادتها بالكثير من الأوصاف كالمتشائمة جداً، أو المتفائلة جداً، لكن ما إنْ تتحقق على أرْض الواقع! سرعان ما تُحبس أمامها الأنفاس التي حاربتها حينما كانتْ مجرّد توقعات على الورق. أخيراً وليس آخراً، أُضيف إلى كل ما تقدّم عاملاً رئيساً من أهم العوامل، قبل الإجابة عن السؤال الرئيس للمقال '' كيف.. ومتى.. ستتراجع أسعار العقار؟''؛ حينما يتغير أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في أيّ من المتغيرات الاقتصادية، سواءً بدخولها كأحد أبرز العوامل المؤثرة أو اختفائها، فإنَّ مجريات الأمور ستتغير دون شكٍّ بغض النظر عن كل ما أتى ذكره أعلاه، وهو بالتحديد ما جرى في حالة دراسة السوق العقارية السعودية كما سيتضح بعد قليل. أصبح معلوماً لدى الكثير عبر العديد من الدراسات والمقالات عن السوق العقارية الأسباب التي أفضتْ إلى وصولنا لحالة التشوهات الراهنة، لعل من أهمّها للتذكير: (1) الاحتكار المجحف للأراضي بمساحاتٍ شاسعةٍ جداً، وتركّز ملكياتها في أيادي قلّةٍ معدودة جداً من كبار الملاك. (2) شح الفرص الاستثمارية المحلية، وتراكم القيود والتعقيدات البيروقراطية أمام الباحثين عنها بصورةٍ أوصدتْ جُل النوافذ إليها، قابلته زيادةً مطردة للسيولة المحلية لم يسبق لها مثيل في تاريخ اقتصادنا، نتج عنها أنْ جزءاً كبيراً منها تسرّب إلى خارج الحدود كما كشف ميزان المدفوعات، وجزءاً آخر منها تدفّق مباشرةً إلى السوق العقارية غير المنظّمة في الأصل، أغرتها المضاربات وتدوير الثروات فيها بصورةٍ هائلة، شجعها على ذلك الركود الكبير الذي عانته السوق قبل انهيار السوق المالية في فبراير 2006م. أُنشئتْ وزارة الإسكان قبل نحو عامين، وضُخّ في خزانتها 250 مليار ريال، ولاحقاً نقلتْ إليها الدولة مخزونها الهائل من الأراضي لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية، والمقدّرة بمليارات الأمتار الصالحة للتطوير وتوفير المساكن للمواطنين. هذه يعني صراحةً دخول الدولة إلى السوق العقارية كأقوى وأهم طرفٍ فيها، السوق التي كانتْ مرتعاً خصباً لتحكّم القوى أو العوامل المشار إليها أعلاه! لعل أبرز ما حملته بهذا التدخّل الإيجابي: (1) مخزونها الهائل من الأراضي الذي كلّما ضخّتْ منه إلى السوق كما هو قائمٌ الآن حطّم تماماً نظرية الوهم المفتعلة ''شحّ الأراضي''، وهذا ما يشبه تماماً إنشاء سوق عرض أخرى للأراضي غير تلك التي بحوزة كبار ومتوسطي الملاك الحاليين! ومعلومٌ تماماً الأثر الذي سيخلّفه ضخ مساحات من الأراضي الجديدة، تتجاوز تقريباً بمساحاتها المعروض الراهن من الأراضي، غير أنَّ المفاجأة القاتلة هنا؛ أنَّ سعْر ذلك المعروض الجديد والهائل الحجم من الأراضي ''مجّاني''، ستقوم الدولة بمنحه المستحقّين! (2) الرصاصة القاتلة الثانية؛ تتمثّل في استعداد الدولة لتقديم التمويل اللازم ''500 ألف ريال'' لكل مواطن يُمنح أرضاً ''برنامج أرض وقرض''. (3) الرصاصة الثالثة القاتلة، موجّهة إلى المخزون الهائل من الأراضي خارج ملكيّة الدولة، الذي وصلتْ أسعاره إلى مستويات مرتفعة جداً بعيدة المنال حتى على أعلى شرائح متوسطي الدخل في السعودية، الموجزة في حزمة القرارات المرتقبة بفرْض رسوم ورسوم خدمات على تلك الأراضي، إضافةً إلى نزْع ملكيات الجهات المحتكرة للأراضي نظير تأخّرها في تطوير ما تمتلكه من مساحاتٍ شاسعة. إنّها ثلاث رصاصاتٍ من العيار الثقيل جداً، أُطلقتْ اثنتان منها في صدْر الفقّاعة العقارية، ولم تبقَ إلا الرصاصة الثالثة، وقد اقترب موعدها كثيراً! وإنّها لكافية جداً لإعادة الأمور إلى نصابها الذي يحفظ مقدرات واستقرار الاقتصاد الوطني، ويوقفُ الأضرار الفادحة التي لحقتْ بالدخل الحقيقي للمواطن الباحث عن مسكن. قبل أن أُنهي الحديث، تجب الإشارة إلى أنّ أغلب الصفقات التي تتم في الوقت الراهن في السوق العقارية، وفقاً للمستويات السعرية الشاهقة التي وصلتْ إليها حتى تاريخه، أؤكّد أن أغلب أطرافها هم ذاتهم اللاعبون المشار إليهم في مطلع المقال ''كبار الملاك، المضاربين''! في حين تتضاءل نسبة المواطن الهادف إلى تملك الأرض أو العقار بغرض الاستخدام. إذاً، اتضح لدينا الفقرة الأولى من سؤال المقال ''كيف؟''، أمّا الفقرة الثانية ''متى؟'' فقد بدأتْ فعلياً من مطلع صيف هذا العام، لكنّها ستبدو واضحة للعيان مع إطلاق الرصاصة الثالثة المشار إليها أعلاه! وأؤكّد مرةً أخرى أنّ المواطن الكريم يتحمّل دوراً مهمّاً جداً في تحقيق مصلحته بالدرجة الأولى، وموازياً تماماً لدعم جهود وزارة الإسكان الساعية إلى تحقيق الأهداف المثلى من تدخّل الدولة لأجل معالجة التشوهات الخطيرة التي وصلتْ إليها السوق العقارية المحلية. وبالله التوفيق.
إنشرها