Author

حول مشكلة السكن

|
في مايو من العام الماضي، شهد مجلس الشورى جدلا حاميا حول مشكلة السكن في المملكة، إثر معلومات قدمها وزير الاقتصاد، فحواها أن 61 في المائة من السعوديين يملكون مساكنهم. استند الرقم إلى تقدير لمصلحة الإحصاءات العامة، لكنه يتعارض مع أبحاث عديدة أجرتها هيئات مستقلة وتجارية، أظهرت أن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 40 في المائة. والحقيقة أنه لا يمكن الجزم بأي من التقديرين، فليست لدينا قاعدة معلومات موثوقة عن عدد المساكن ونسب التملك. لكن الواضح أن المسألة أمست همًّا شاغلا لشريحة عريضة من المواطنين. وحين أنظر حولي أرى أن الأغلبية الساحقة ممن أعرفهم تملكوا منازلهم بعدما جاوزوا 45 سنة من العمر. في المقابل، كشفت دراسات حديثة في بريطانيا أن معظم الناس يملكون منزلهم الأول في سن 35. وأظهر مسح ميداني في مدينة الرياض أن تملك منزلا متوسط الكلفة (850 ألف ريال) يعادل سبع سنوات من الدخل السنوي لأسرة متوسطة. هذا يعني أن أقلية صغيرة سيملكون بيتهم الأول قبل تجاوز الأربعين عاما من العمر. وتظهر تقديرات متقاربة أن المملكة في حاجة إلى 2,5 مليون وحدة سكنية جديدة في السنوات السبع القادمة. السؤال الملح هو: لماذا لا نستطيع تطبيق المعالجات التي جربتها مجتمعات كثيرة قبلنا؟ قيمة المنزل في الولايات المتحدة مثلا تعادل دخل الأسرة لثلاث سنوات ونصف، وفي دول الاتحاد الأوروبي تعادل أربع سنوات ونصف، فلماذا تزيد في المملكة عن سبع سنوات؟ احتمل أن السبب الرئيس هو مركب من انخفاض الأجور + افتقار البلاد إلى قنوات تمويل بشروط تناسب الطبقة الوسطى + تمحور جزء كبير من الاستثمارات الخاصة حول العقار. لا أظننا قادرين على حل المسألة طالما بقي المتوسط العام للرواتب دون 200 ألف ريال في السنة. ولن نستطيع حلها ما لم تفرض الحكومة على البنوك نظاما للتمويل السكني، يختلف جوهريا عن أنظمة الإقراض القائمة، ويتجه خصوصا نحو دعم الأقل دخلا وليس العكس، أو السماح – بدل ذلك - بإنشاء مؤسسات متخصصة في التمويل السكني خارج النظام المصرفي الحالي. أتفهم قلق الاقتصاديين من شبح التضخم الذي سيرافق مضاعفة الأجور. وقد شهدت ظرفا مثيلا لهذا في بريطانيا في أواخر الثمانينيات. ولهذا فإني أدعو إلى التفكير في إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد الوطني، على نحو يمكن من حصر التضخم ضمن أمد زمني محدد، وإنشاء شبكة حماية رسمية لتلك الشريحة العاجزة عن مجاراة التحول. وثمة تجارب رائدة في هذا المجال من بينها التجربة الصينية بعد إصلاحات 1980 الاقتصادية. زبدة القول: إن مشكلة السكن التي كانت بسيطة نوعا ما قبل 15 عاما، أصبحت الآن عسيرة. وما لم نتداركها فإنها ستمسي في 2020 معضلة مستحيلة. أعلم أيضا أن المشكلات العسيرة لا يمكن حلها دون قرارات شجاعة، مهما كانت مؤلمة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها