Author

كيف نُعظِّم عوائدنا من السياحة؟

|
إن قضية تنويع مصادر الدخل لم تعد قضية خيارية، بل أضحت من القضايا الوطنية الملحة والمطروحة بقوة في هذه الأيام، لأن أي اقتصاد وطني لا يتمتع بالصحة والعافية إلاّ إذا كانت عوائده متنوعة. إن الاعتماد على مصدر واحد وهو البترول وعلى مدى أكثر من نصف قرن يُميز الاقتصاد الوطني بالتبلد وفقدان الحيوية. وبالنسبة للاقتصاد السعودي فإن بعض الموارد بدأت تتقدم وترشح نفسها كي تصبح من الموارد الرائدة جنباً إلى جنب مع البترول، وتعتبر السياحة المورد الواعد الذي يتقدم كي يكون مورداً لامعاً ضمن موارد الدولة. وفي هذه الأيام نلاحظ أن جميع الدول المتقدمة والناشئة وكذلك النامية تسعى إلى تعظيم إيرادات السياحة، لأن السياحة ببساطة تتميز بأنها مورد لا ينضب وقابل للزيادة، كما أنها تعتبر واجهة تعبر عن حضارية الدولة. إن السياحة لم تعد مجرد سفر وفسحة، لكن السياحة أصبحت اليوم مورداً رئيساً من موارد الدولة، واقتصادنا الوطني في هذه الأيام في أمسّ الحاجة إلى مورد السياحة الواعد، أيضاً من الأشياء المتوخاة من السياحة توفير الكثير من الوظائف والمساهمة في معالجة مشكلة البطالة، لأن السياحة مطرح مهم لتشغيل أعداد غفيرة من الشباب والشابات. ولقد أصبحت السياحة عند كثير من الدول المتقدمة بمثابة المورد الأهم، وإذا كان البترول بالنسبة لاقتصاد المملكة المورد الأهم، فإن البترول من الموارد الناضبة، ونضيف إلى ذلك أن البترول لم يعد من الموارد الناضبة فحسب، بل أصبح من الموارد التي باتت ُتنافسها بعض موارد الطاقة الأخرى، بمعنى أصبح يتهدد بترولنا ما يسمى اليوم بالبترول الصخري، وكذلك تتهدد بترولنا مصادر الطاقة البديلة كالطاقة النووية والطاقة الشمسية وغير ذلك من أنواع الطاقة المتجددة التي دخلت مع البترول التقليدي في حلبة المنافسة. ولقد خصنا الله - سبحانه وتعالى - بوجود الحرمين الشريفين في أراضينا، وهي نعمة من نعم الله الكثيرة علينا، وهذان الموقعان الجليلان يشدان أفئدة ملايين المسلمين من كل حدب وصوب للزيارة أو الحج، وتتقدم إلى ديارنا المقدسة وفود الزوار وقوافل الحجيج على مدار العام، بمعنى أن السياحة الدينية سياحة مستمرة ودائمة طوال العام، وتعتبر كل شهور السنة مواسم مستمرة نجني من ورائها الخير الكثير والمال الوفير. ورغم أن الحكومة قامت بتنفيذ أكبر مشروعين للتوسعة في تاريخ الحرمين الشريفين، إلا أننا ما زلنا نحتاج إلى تأهيل الآثار التي تقع في أراضينا، فبلادنا الفتية لا يوجد فيها فقط الحرمان الشريفان، لكن فيها كنوز الآثار الإسلامية، وكنوز الحضارات الغابرة، وأهمها مدائن صالح والآثار العظيمة التي تم اكتشافها في العاصمة الرياض، وأيضاً هناك مدن قديمة وأطلال مدن تاريخية مثل الأحساء وجدة، وكلاهما يزخران بالمواقع التاريخية التي تخطف العقول والأبصار، وتسترعي اهتمام الباحثين والدارسين. لقد أصدرت منظمة السياحة العالمية في الأيام القليلة الماضية بياناً عن حركة السياحة العالمية خلال عام 2012، وأوضح البيان أن فرنسا واصلت احتلال المركز الأول باعتبارها أكثر دول العالم استقبالاً للسائحين، تليها الولايات المتحدة، ثم الصين، لكن الولايات المتحدة احتلت المركز الأول من حيث إجمالي العائدات السياحية. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد أوضح البيان الصادر عن منظمة السياحة العالمية أن ترتيب المملكة في قائمة دول العالم في عام 2011 كان في المركز الـ 16، لكن في عام 2012 هبطت المملكة إلى المركز الـ 19. وطبعاً كنا نتطلع إلى تحقيق المملكة مركزا متقدما على المركز الـ 16، لكن - مع الأسف - هبطنا إلى المركز الـ 19، وأتمنى من هيئة الآثار أن تقف على الأسباب التي أدت إلى تراجعنا، وتعمل ما وسعها الجهد كي نتقدم إلى المراكز الأعلى، ولا نتأخر إلى المراكز الأدنى. أيضاً بالنسبة لعائدات السياحة فقد كان ترتيب المملكة في المركز الـ 34 على مستوى العالم في عام 2011، لكن في عام 2012 نزلنا إلى المركز الـ 35 بين دول العالم. الغريب أن مصر رغم أوضاعها غير المستقرة إلا أنها تقدمت خمسة مراكز في عام 2012 عما كانت عليه في عام 2011. إذن البحث في أسباب تراجعنا في مجال السياحة أمر يجب أن نقف على أسبابه، ونعالج الأخطاء، ونحدد المستهدفات الجديدة. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإننا نأمل من الهيئة العامة للسياحة والآثار الاهتمام ببناء المتاحف التاريخية العظمى في المناطق الرئيسة، وبالذات المتاحف الإسلامية كي تكون مقصداً للزيارة من قبل السياح والزوار، ومن المؤسف أننا حتى الآن لا يوجد لدينا متحف وطني بمستوى يضاهي المتاحف العظمى في دول العالم المتقدم، كما نرجو من هيئة السياحة والآثار الاهتمام بتسجيل آثارنا التاريخية لدى المنظمات الدولية، وبالذات منظمة اليونسكو. أقول لعله من المناسب أن نعيد النظر في برامجنا السياحية، لا سيما نحن الآن في موسم سياحي واسع الأرجاء، وتعتبر هذه الأيام بمثابة الموسم الرئيس للسياحة، حيث إننا على أبواب موسم الصيف وكذلك على أبواب شهر رمضان المبارك حيث السياحة الدينية في أوجها.
إنشرها