Author

ماذا أتخصص؟

|
يطرق باب رأسي في هذا الموسم من كل عام سؤال من قريب أو غريب: ماذا أتخصص؟ هذه المرة سألني ابن صديقي، على مشارف الجامعة، ماذا أتخصص يا عبد الله: "قانون أم هندسة كمبيوتر، وشو الماشي؟". صدمت من صيغة سؤاله وحزنت في الوقت ذاته. فهو اختار تخصصين بعيدين عن بعضهما بعضا. لا توجد بينها وشائج قربى أو أواصر محبة. لقد نكأ هذا السؤال جرحا غائرا في داخلي يتجسد في أن الكثير منا لا يعرف ماذا يحب؟ ماذا يفضل؟ ماذا يهوى؟ نظل حائرين وقلقين وحزينين طوال سنوات عمرنا؛ لأننا في المسار الخطأ مع الشخص الخطأ في المكان الخطأ؛ كوننا اعتمدنا على الآخرين في اختيار مصائرنا ولم نطور قدراتنا في الفرز واتخاذ القرار منذ أن كنا أطفالا؟ من النادر أن تشاهد شابا في الثامنة عشرة من عمره في أمريكا أو أوروبا أو شرق آسيا لا يعرف ماذا يريد في هذه الفترة المصيرية من عمره. في المقابل، من المألوف أن تشاهد كبيرا أو كبيرة في الثلاثين في مجتمعاتنا العربية يسألك أن تساعده في اختيار عنوان بحثه في الدكتوراه وهل هذا مناسب له أم لا. عدم تحديد وجهتنا مبكرا وهذا الهدر العظيم الذي نقترفه في حق سنوات عمرنا يعكس غياب الخيارات التي أتيحت أمامنا ونحن صغار، مما جعلنا في حيرة ونحن كبار. يؤسفني أن يدخل البعض تخصصا لأن سوق العمل يحتاجه أو "لأنه الماشي". دع سوق العمل يحتاجك. لدي ثقة تامة بأن الشخص متى ما كان مبدعا وشغوفا ومحبا لتخصصه سيكون هدفا لأهم الشركات، بل ربما يكون هو من يقود الشركات ويؤسسها. من يفكر في تخصص يجلب له المال قد يحصل عليه لكن سيظل نمطيا في وظيفته لا يثير نقعا ولا صليلا، في حين من يتخصص فيما يرغب، ويحب ما يقوم به، سيتقدم ويتطور ويؤثر ويلهم. معظم المنتجات الإبداعية التي نستهلكها يوميا يقف وراءها أشخاص مبدعون أحبوا تخصصاتهم فأحبتهم. منحوها حبهم فمنحتهم النجاح والشهرة والانتشار والأرباح. هؤلاء لا يداومون دواما تقليديا. إنهم يعيشون وظائفهم، ترافقهم في يقظتهم وأحلامهم، في حلهم وترحالهم، فحصدوا هذا النجاح الهائل. التخصص لا يصنع منك مبدعا، لكنك أنت من يصنع من تخصصك إبداعا. يا صديقي، لا تسأل أحدا ماذا تتخصص. هناك شخص واحد فقط يعرف التخصص المناسب لك. هو أنت وحدك. اسأله. إن من يسأل الآخرين عن التخصص المناسب له كمن يسألهم هل هذا الطبق يناسبني أم لا؟ لا أحد يعرف ذائقتك سواك. تأكد أنك إذا اخترت الطبق المناسب لك ستستمتع به، وإذا اخترت الخطأ ستتجرع مرارته.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها