Author

نورة

|
استأذنت الدكتور عبد العزيز المقوشي، أثناء زيارته إلى مانشستر؛ للذهاب لأخذ ابنتي سفانة "6 سنوات" من المدرسة التي تدرس فيها، على أمل أن أعود إليه بعد أن أقلها إلى المنزل. سمح لي الدكتور مشكورا أن أغادره مؤقتا. حينما عدت رحب بي بحرارة كأنه يستقبلني لأول مرة. وطلب مني أن أجلس بجواره. عندما اقتربت منه أوصاني أن أستمتع مع ابنتي قدر ما أستطيع. أن أتحدث معها أطول وقت ممكن. أن أدللها وأدلعها. أقرأ لها ومعها. ثم قال لي إن ابنتي صغيرة، لكنها ستكبر بسرعة وستتركني وستغادر إلى منزل آخر يوما ما. وسأندم أنني لم أتواصل معها كثيرا. وخلال حديثه أخرج جواله من جيبه والعبرة تخنقه والدموع تتسابق للهطول من عينيه، اللتين تختبئان خلف نظارته، واستعرض أمامي رسالة كتبها إلى ابنته الكبرى نورة، التي تزوجت قبل أسبوع فقط من تاريخ لقائنا، كتب لها فيها: "حبيبتي نورة. مشتاق لكِ جدا. تذكرتك وأنا أشرب القهوة مع أصدقائي في مانشستر. تذكرت ابتسامتك الجميلة. يا حبيبة قلبي لا يحلو لي السفر دونك. أفتقدك. لكن عزائي الوحيد أنكِ بمعية زوجك زياد، الذي سيعمل على إسعادك، وفقكما الله". ثم التفت نحوي وقال إنه رغم أنه كان يحرص على أن يسافر دائما مع ابنته نورة في رحلات قصيرة وحدهما ويخرج معها دائما إلا أنه يشعر بفقدها ويرى أنه كان بإمكانه أن يمضي وقتا أطول معها. ودعت الدكتور عبد العزيز ولم أودع رسائله إلى ابنته ورقته المتناهية سواء معها أو مع ابنته سارة وبقية أبنائه ـــ حفظهم الله له وأسعده بهم ومعهم. تعلمت درسا مهما ذلك اليوم يتجسد في ألا أدخر حبا لأحد في جوفي. فاليوم قد يكون أحباؤنا قريبين لكنهم سيكونون قريبا بعيدين، وحينها سنتألم كثيرا لأننا لم نودع في آذانهم وقلوبهم مشاعرنا. سنندم على أننا لم نمض معهم الوقت الذي يليق بأهميتهم في حياتنا ومحبتنا لهم. نعتقد دائما أن الغد سيمنحنا وقتا كافيا لنستمتع فيه مع أحبتنا، لكن ترحيل أمنياتنا إليه هو أكبر خدعة صنعناها في التاريخ. إنه يمنحنا ذريعة لقتل الفرص العظيمة المتاحة لنا اليوم. لقد وفرنا له كل السبل لسرقة لحظاتنا الجميلة. إن أسوأ شيء نرتكبه في حقنا أن نضع أمنياتنا في حقائب الغد. احملوا أمنياتكم على أكتافكم. دعوها ترافقكم هذه اللحظة وكل لحظة. اكتبوا واخرجوا واستمتعوا مع أحبتكم اليوم. عيشوا اللحظة الآن حتى لا تظلوا بقية حياتكم مسجونين خلف قضبان الندم.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها