Author

قراءة متأنّية في الإجراءات الأخيرة للهيئة وتداول (2 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
استكمالاً لقراءة الإجراءات الأخيرة لكلٍ من هيئة السوق المالية وشركة السوق المالية السعودية (تداول) في منتصف الأسبوع الماضي، تم الحديث عن القرار الأول باعتماد الهيئة كنسبة لتذبذب أسهم الشركات حديثة الإدراج خلال اليوم الأول من تداولها بـ 10 في المائة، أستكملُ الحديث هنا عن (2) مشروع الإجراءات والتعليمات الخاصة بالشركات المدرجة أسهمها في السوق التي بلغت خسائرها المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأسمالها، و(3) إعلان (تداول) باقتراح تغيير طريقة احتساب سعر الإغلاق لتصبح المعدّل السعري (VWAP) خلال آخر 15 دقيقة من التداول. (4) قسّم مشروع التعليمات الخاصة بالشركات الخاسرة 50 في المائة فأكثر من رأسمالها إلى ثلاث فئات: الأولى- الشركات التي انحصرت خسائرها بين 50 و75 في المائة من رأسمالها. الفئة الثانية- الشركات التي بلغت خسائرها المتراكمة 75 في المائة فأكثر وبما لا يتجاوز 100 في المائة من رأسمالها. الفئة الثالثة- الشركات التي بلغت خسائرها المتراكمة 100 في المائة فأكثر من رأسمالها. وبيّنت التعليمات المقترحة بالنسبة للفئتين الثانية والثالثة أنّه سيُلغى إدراج أسهم الشركة بعد مرور 30 يوماً من تحقق أي من الحالات الآتية: (1) عدم التزام الشركة بإعداد الخطة المطلوبة. (2) انقضاء سنتين ماليتين من بعد تجاوز الخسائر 75 في المائة دون تعديل الشركة أوضاعها أو عدم تحقيقها أرباحاً تشغيلية عن السنة المالية الأخيرة. بدايةً، تُعد هذه الإجراءات خطوات عملية لتجزئة السوق، وهو ما كان مطلوباً القيام به منذ أكثر من ستة أعوامٍ مضت، وإن كان في صورته المقترحة يُعد في أدنى درجات التجزئة. ويمكن القول إن هذا الإجراء ومع أمل أن تتصاعد وتيرته واشتراطاته ليشمل عدداً أكبر من الشركات الخاسرة من رأسمالها، من شأنه أن يسهم بصورةٍ جذرية في تحسين بيئة الاستثمار في السوق المحلية، ورفع كفاءتها، وأن يسهم بصورةٍ فعلية في خفض المخاطر. تأتي أهمية هذا الإجراء بسبب تزايد أعداد الشركات الخاسرة من رأس المال في السوق، حيث يصل عددها إلى 47 شركة مساهمة مدرجة (29.4 في المائة من الإجمالي)، واللافت جداً أنَّ منها 35 شركة مساهمة تمَّ إدراجها من بعد انهيار شباط (فبراير) 2006م! وهو ما سبق أن تطرّقتُ إليه وغيري من المهتمين والتحذير من تفاقمه طوال تلك الفترة الماضية منذ ذلك التاريخ. يمكن تصنيف هذه التعليمات على أنّها من أهمِّ الإجراءات، التي قامتْ بها هيئة السوق المالية، والمأمول أن تتشدد في تطبيقها وتوسيع دائرتها لتشمل أية شركات فشلتْ في إثبات وجودها كخياراتٍ استثمارية متاحة للتداول أمام المجتمع الاستثماري المحلي، وأنْ تلتفت مستقبلاً إلى الشركات المساهمة ذات رؤوس الأموال الصغيرة، ووضع معيار نظامي لها كأن لا يقل عن 250 مليون ريال، وذلك لسببين: الأول أنها الأكثر عرضة للخسائر، وهو ما يزيد من مخاطر الاستثمار فيها. السبب الثاني أنّها الأكثر مرتعاً لعمليات المضاربة وتدوير الأموال بصورةٍ مرتفعة المخاطر، ولعل ما شهدناه في شركات قطاع التأمين خير شاهد على ما أقول هنا. هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر أنَّ الهيئة وتداول حينما تفرضان مثل تلك الضوابط النظامية على السوق المالية من شأنها أن تحفّز الشركات الناجحة خارج منصّة السوق للإدراج فيها، الذي بدوره سيحقق فوائد عديدة لكلٍ من الشركات والسوق والمستثمرين، فالشركات ستزيد أمامها فرص التمويل والتوسّع والنمو، الذي بدوره سيسهم في خلق المزيد من الفرص الوظيفية للباحثين والباحثات عن عمل، وبالنسبة للطرفين الآخرين ستضاف تلك الشركات الرائدة بقيم نوعية وحقيقية إلى سلّة الخيارات الاستثمارية الممتازة أمام المدخرات الوطنية. (5) أما فيما يختص بإعلان (تداول) باقتراح تغيير طريقة احتساب سعر الإغلاق لتصبح المعدّل السعري (VWAP) خلال آخر 15 دقيقة من التداول، بهدف الحد من التلاعب بالأسعار عند الإغلاق، وما يخلّفه من عمليات تضليلية حول تعاملات السوق، فقد يكون مهمّاً في المرحلة الراهنة من عمر السوق، التي تقبع في مستويات متدنية من الكفاءة! إلا أن تحقيق الجهات القائمة على السوق خطواتٍ متقدّمة باتجاه رفع كفاءتها، من شأنه في الأجل الطويل أن يمنح السوق المالية موقعاً أفضل يجعلها في غنى تام عن مثل هذا الإجراء. لهذا يُنصح باتخاذ مزيدٍ من الإجراءات المماثلة لخطوة تجزئة السوق، والتوسّع فيها أفقياً وعمودياً ضمن هيكلة السوق، كونها الإجراءات الأكثر فاعلية في الأجل الطويل، وهي أيضاً الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها دون الحاجة إلى التدخل (الاضطراري) من وقتٍ لآخر في تعاملات السوق. (6) أخيراً.. تعتبر السوق المالية المحلية (سوق رأس المال) من أكثر المواقع حساسية ومخاطرة على أية قيادات قد تتولاها، إنْ لم تكن الأولى والأثقل وزناً في سلّم مقدراتنا محلياً. ولعل ما جرى فيها طوال عقدٍ من الزمن مضى توالتْ عليه ثلاث قيادات (وهو ما لم يحصل في جهازٍ حكومي آخر) يؤكد دون شكٍّ تلك الأهمية والحساسية، الأمر لا يقف عند هذا فحسب؛ بل إنَّ كل قيادة تلي التي سبقتها ستجد نفسها أمام تحدٍ أكبر من التحدي الذي سبق أن واجهته سابقتها! ألخصُّ هذا التحدّي في الوقت الراهن أمام قيادة هيئة السوق المالية القائمة الآن في جانبين: الأوّل المسؤوليات والمهام المنوطة نظامياً بها وهو الجانب المستمر منذ تأسيس الهيئة، وضرورة العمل على رفع كفاءة السوق المالية، والتقدّم بها إلى مستوياتٍ أعلى من العدالة والتطور والتنظيم، لتكون أكثر أهلية لخدمة الاقتصاد الوطني، ولاستيعاب المدخرات الوطنية المحلية، عدا ما يتم الاستعداد له في الوقت الراهن، لأن تكون أهلاً لاستقطاب الاستثمارات من خارج الحدود. الجانب الثاني مواجهة المستجدات والتغيرات، وفقاً لتقلبات الاقتصاد والسوق، إضافةً إلى معالجة آثار ما تم اتخاذه من قرارات أو إجراءات تم اتخاذها من قيادات الهيئة السابقة، وهذا قد يتطلّب جهداً مضاعفاً ومرهقاً جداً، بل قد تكون مخاطره أصعب من أن يتم قياسها بأي معيار متوافر! لهذا، أجد من الواجب الإشارة إلى أهمية وضرورة أن يقدّم أطراف السوق المالية كافة كلٌ حسب موقعه الدعم والمساندة لهيئة السوق المالية وتداول، كلٌ حسب إمكاناته وقدراته، مؤكداً أن نجاحهما سيعود بالفائدة على الجميع، وأن فشلهما- لا قدّر الله- أيضاً سينعكس على الجميع.
إنشرها