Author

تجريم ومعاقبة تضليل المزادات العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
اعتبر نظام السوق المالية في المادة التاسعة والأربعين، أن أي شخص يقوم عمداً بالعمل أو المشاركة في أي إجراء يوجد انطباعاً غير صحيح أو مضللاً بشأن السوق، أو الأسعار، مخالفاً لأحكامه! وحدد أنّ من تلك الأعمال والتصرفات المعتبرة من أنواع الاحتيال المحظورة: القيام بأي عمل أو تصرف بهدف إيجاد انطباع كاذب أو مضلل، يوحي بوجود عمليات تداول نشط مالية خلافاً للحقيقة، كالقيام بعقد صفقات في أوراق مالية لا تنطوي على انتقال حقيقي لملكية تلك الأوراق المالية، أو القيام بالتداولات الوهمية المفضية للتأثير المصطنع على الأسعار بأي طريقةٍ كانت تضمنتْ مخالفاتٍ صريحة للنظام واللوائح، من شأنه أن يحدث طلبات فعلية أو ظاهرية نشطة في التداول، أو يحدث ارتفاعاً أو انخفاضاً في أسعار تلك الأوراق بهدف جذب الآخرين، وحثّهم على شراء أو بيع هذه الأوراق بحسب واقع الحال. ونصَّ النظام في فصله العاشر الخاص بالعقوبات والأحكام الجزائية على أن الشخص المتورّط في أيٍّ من المخالفات أعلاه يكون مسؤولاً عن تعويض أي شخص يشتري أو يبيع الورقة المالية التي تأثر سعرها سلباً بصورة بالغة نتيجة لهذا التلاعب، وذلك بالقدر الذي تأثّر به سعر شراء أو بيع الورقة المالية من جراء تصرف ذلك الشخص. يتم تقدير تلك التعويضات المستحقة على الشخص المتورّط بموجب النظام والحقوق المتعلقة بالتعويض وتوزيع مبالغه على المسؤولين عنه بطريقة تتفق مع الأحكام المنصوص عليها، إضافةً إلى الغرامات والتعويضات المالية المنصوص عليها في النظام وبناءً على الدعوى المقامة ضد المتورط، بمعاقبته بالسجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات. هذا ما نجح نظام السوق المالية في تغطيته كاملاً بالنظام والعقوبات الصارمة، وكم هي السوق العقارية أكثر حاجة من السوق المالية إلى مثله أو أكثر صرامةً، وذلك لآثاره الأكثر تدميراً على مختلف معطيات الاقتصاد والمجتمع على حدٍّ سواء! فكما ذكرتُ في مقال السبت الماضي هنا بالاقتصادية (بارتْ سلعة التراب أيها المحتكرون)، حول تفاقم عمليات التدوير المضللة للمساهمات باعتراف بعض روّاد القطاع العقاري مؤخراً، وتأثيرها الخطير على الدفع بمستويات أسعار الأراضي إلى الارتفاعات المستمرة والقوية طوال السنوات الأخيرة دون أي مبررات اقتصادية أساسية، وكيف أنَّ أغلب تلك المساهمات بملايين الريالات منفردة التي لا تمرُّ ساعة على بدئها إلا وقد تم بيعها بالكامل! لم تكن سوى تمثيلية مزيفة ومضللة، أراد مؤلفوها زوراً وبهتاناً الإيحاء للمجتمع والجهات الرقابية بقوة الطلب المحلي الناتج على القدرة المالية المرتفعة لدى الأفراد، ومن ثم فلا حاجة إلى أي تدخل من الدولة. بينما في واقع الحال لم تتعدَّ تلك العمليات المضللة محيط المجموعة الضيّقة من المتورطين فيها، الذين تواطأوا على تنفيذها بالتنسيق المسبق بين أقطابها ومجموعة محددة من قروبات المتاجرة بالأراضي. وما زاد من وقْع الكارثة، أنَّ تلك المجموعات نجحتْ بإغراءاتها المرتفعة في تجنيد العديد من الكتاب والإعلاميين، الذين قاموا بدورهم بتأييد وتضخيم تلك العمليات المضللة، وتبريرها بالكثير من الأسباب غير الحقيقية، بل حتى بالهجوم على أي آراء تطالب بسرعة تدخل الدولة للحدِّ من تلك العمليات المدمرة لمقدرات البلاد والعباد. قياساً إلى حالة التشوهات القديمة جداً التي تقبع في قاعها المرير السوق العقارية المحلية، وقياساً على الآثار الاقتصادية والمالية والاجتماعية وحتى الأمنية الخطيرة التي خلّفتها تلك التشوهات، وما قابلها من إهمالٍ وتقصيرٍ وتأخّر لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال القبول بأيٍّ من مبرراته الواهية! أؤكدُ على أن ضرورة إصدار نظام للسوق العقارية، كانتْ أكثرُ أهميةً من إصدار نظام للسوق المالية! أو على أقل تقدير أن تحظى بنفس القدر من الاهتمام والنظر. وحتى تكتمل أو تتحقق أيٌّ من الرؤى التي تجري الآن لأجل تحقيق تلك الغاية، فإنه بالإمكان في الوقت الراهن الاستفادة مما هو متاح من أنظمة وتشريعات، ومن صلاحيات ممنوحة للعديد من الجهات ذات العلاقة المباشرة بالسوق العقارية. إذْ يتوافر لدينا ست جهات حكومية يمكنها تولّي الإشراف والرقابة والتدقيق والمحاسبة كلٌّ بحسب مسؤولياته وصلاحياته: وزارة العدل، وزارة الإسكان، وزارة التجارة، مؤسسة النقد العربي السعودي، هيئة السوق المالية، مجلس حماية المنافسة. لعل تشكيل وحدة إشرافية مشتركة من الجهات الحكومية المذكورة أعلاه، وتكليفها بإحكام الإشراف والرقابة والتدقيق على أي مزادات عقارية تتم، أو أي عمليات بيعية للأراضي من مخططات ومساحات كبيرة، والتأكّد من سلامة وشفافية كل الآليات الخاصة بعمليات التسعير، ونقل ملكية الأصول (الأراضي) "وزارة العدل"، وضمان تدفق قيمها المالية بين الأطراف المتعاقدة "مؤسسة النقد"، ومعرفة هوية الأطراف المشتركة، وإخضاعها بالكامل لما يشبه الرقابة التي تقوم بها هيئة السوق المالية على مثيلها في السوق المالية، وأهمية رأي مجلس حماية المنافسة بعدم وجود أي ممارسات احتكارية من قبل أيّ من الأطراف المتعاقدة، أؤكدُ أن عملاً كهذا إلى حين صدور نظامٍ للسوق العقارية وتأسيس هيئةٍ مستقلة تتولى تنفيذه، أنه سيكفلُ مستوى أكثر عدالة ونزاهةً وشفافية مما هو عليه الحال في الوقت الراهن.
إنشرها