Author

«صمود» الاقتصاد السوري آتٍ من عدم وجوده

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«الاقتصاد الحر، يحترم كرامة الفرد. يكافئ بعدالة، ويبني التضامن بين المواطنين» بول راين رئيس لجنة الموازنة في الكونجرس الأمريكي يسأل البعض لماذا لم ينهر الاقتصاد السوري بعد عامين من حرب الإبادة التي يشنها سفاح البلاد بشار الأسد؟ ويقول آخرون، في سياق تثبيتٍ آخر للأكاذيب التي اعتمدها نظام الأسد (الأب والابن) على مدى أكثر من أربعة عقود: إن الاقتصاد صمد لعامين، وهذا يؤكد بالتالي الكذبة الكبرى التي عاشتها سورية، أن الأوضاع الاقتصادية سيئة بحكم السياسات الدولية تجاهها. ويظهر (على الطرف) آخرون، ليؤكدوا أن الاقتصاد السوري كان دائماً قوياً، لولا الفساد (ومعه النهب المنظم) الذي مأسسه النظام في سنوات طويلة. ويرى البعض أسباباً أخرى لـ ''صمود'' الاقتصاد السوري، ليست واقعية في أغلبيتها، وتطفو عليها مشاعر الكراهية المبررة، مع استنتاجات مبالغ فيها. وهذا عموماً يحدث في نطاق حالة مأساوية كالتي تمر بها سورية اليوم. المبالغات، الاستنتاجات ''الحالمة''، المقاييس العاطفية، المعلومات المضللة، القوة الوهمية، الممتلكات ''الفالتة''.. كلها عناصر تسكن هذه الحالة. هناك حتى في أوروبا الراشدة، من يعتقد أن الزعيم النازي أدولف هتلر، ما زال حياً يرزق!! وفي الولايات المتحدة نفسها، من يؤمن بأن المغني الشهير ألفيس بريسلي، لم يمت، ولكنه سافر للعيش على سطح القمر! هناك إجابة واحدة قصيرة عن السؤال المحوري ''لماذا صمد الاقتصاد في سورية''؟.. وهي ببساطة: ''لا يوجد اقتصاد في الواقع''. وفي حالة عدم وجود الشيء، لا يمكن القياس عليه، أو تحليله أو نقده أو تفصيله أو حتى تجاهله. وكل ما كان مرتبطا به، بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية، و''الانطلاقات'' السياحية، ووجود فروع لمصارف لبنانية.. وغير ذلك، كان وهماً، وفي أفضل الأحوال، كان ''صدى الصمت''، ولم يكن ''صدى الصوت''. غير أن هذا، لا يعني أن نظام الأسد بلا روافد اقتصادية وتمويلية، مكنته من مواصلة حرب الإبادة لمدة عامين، إلى جانب تلكؤ المتلكئين، في الإقدام على مساعدة شعب يُباد، وفي إطالة أمد آلام تعصف، وخراب يسود. ورغم أن عقوبات هؤلاء المفروضة على الأسد، أحدثت أضراراً لهذا الأخير، إلا أنها لم ترق (كغيرها من العقوبات التي فُرضت على أنظمة مماثلة) إلى مستوى يمكنها من أن تكون بمنزلة معول مباشر في إزاحته، خصوصاً في ظل وجود ثغرات منتشرة في جسم آليات التنفيذ. رواتب شريحة من الموظفين في سورية تتأخر، وقد حُرمت المناطق التي لا يسيطر عليها الأسد من رواتب موظفيها، الليرة السورية تسلمت الخط البياني الهابط بسرعة قياسية، بينما تعلق التضخم بالخط البياني المتجه إلى الأعلى بقوة صاروخية. خزانة البنك المركزي فارغة، المواد الاستهلاكية الرئيسة شحيحة، الوقود ''ينقرض''. الدواء مفقود، والأسد وعصاباته يسرقون حتى المساعدات الطبية، إما لبيعها أو لتوزيعها على أعوانهم. بل إن اللقاحات الواجبة، تذهب إلى أطفال الموالين لا إلى ذرية الوطن! ليس هناك حراك مصرفي يذكر، في حين أُغلقت أغلبية المصانع في البلاد. لا توجد في سورية منطقة زراعية طبيعية الآن. الموجود فقط أراض زراعية تنتج حسب موقعها، لا وفق خصوبتها. دون أن ننسى أن السياحة التي تمثل 12 في المائة من الدخل الوطني – إن استحق هذه الصفة أصلاً- باتت تفتقر إلى سائح واحد لا اثنين! أين الاقتصاد الصامد إذن؟! العقوبات الدولية المفروضة على الأسد، لم تنل من روافده الاقتصادية التمويلية. وهذه الحلقة الأضعف للعقوبات بعد آلياتها الصدئة. وحكومات الدول التي فضلت الوقوف مع القاتل (كل لأسبابه) فتحت صنابير أموالها، بمن فيها تلك التي تعاني أزمات مالية واقتصادية مريعة. إلى جانب (طبعاً) غياب الإنفاق العام، وانحطاطه إلى أدنى المستويات. ويحصل الأسد حتى اليوم، على الأموال اللازمة له لاستكمال حرب الإبادة، ممن تبقى من ''رجال أعمال''، لا يمكنهم أن يتكسبوا هذه الصفة، إلا في بيئة فاسدة كتلك التي وفرها الأسد الأب والابن، فضلاً عن الصناعات التي لا تزال تُدار (بصورة أو بأخرى). ونظراً لأهمية هذا الرافد التمويلي الأخير، فقد اضطر الأسد للطلب علانية، بنقل المصانع إلى المناطق التي يسيطر عليها، والأصح إلى المناطق التي لا تزال موالية له طائفياً، وتحديداً في المناطق الساحلية من البلاد. لا اقتصاد في سورية. وما هو موجود ليس سوى حراك مالي، يستند في كل نشاط له، إلى ''النظرية'' الاقتصادية لـ آل كابون، وغيره من قادة العصابات الخارجة عن القانون والأخلاق. ولا غرابة في ذلك. فهذا النظام، لم يحول فقط الاقتصاد إلى قطاع ''مافيوي''، بل جعل من جيش البلاد نفسه عصابة كبيرة بعديدها وغياب أخلاقها. وأولئك الذين لا يزالون يسألون لماذا لم ينهر الاقتصاد؟ غاب عنهم، أن الاقتصاد (أي اقتصاد)، يحتاج أيضاً إلى بلد كي يحظى بهذه الصفة. كانت سورية قبل الثورة الشعبية العارمة، أكثر من ''مزرعة'' وأقل بكثير من بلد. وهذه الثورة لم تقم إلا من أجل أن يستعيد البلد مقوماته، وفي مقدمتها الاقتصاد. إن ما يجري ليس سوى إعادة ولادة، لكنها صعبة.. صعبة جداً.
إنشرها