البيروقراطية وتضارب المصالح والانفجار السكاني أبرز تحديات الإسكان في السعودية

البيروقراطية وتضارب المصالح والانفجار السكاني أبرز تحديات الإسكان في السعودية

ينطلق مساء اليوم منتدى جدة الاقتصادي 2013 على وقع قضية تمثل الهاجس الأكبر بالنسبة للكثير من شعوب العالم، وللسعوديين على وجه التحديد، وتتمثل في توافر المسكن والبعد عن شبح الإيجارات.
ويطرح المنتدى تجارب عدة دول في حل المشكلة الإسكانية والتغلب عليها، كالتركية والسنغافورية والبولندية، إلا أن خبراء ومختصّون يرون أن الاستفادة من تجارب الآخرين تتطلب إرادة قوية وتصحيحا كبيرا في التشريعات والإجراءات المحلية.
وتهيمن قضية الإسكان على فعاليات المنتدى الذي سيقام خلال الفترة من 16 إلى 18 آذار (مارس) الجاري في فندق الهليتون، ومن أبرز المتحدثين فيه علي بابا جان، نائب رئيس الوزراء التركي، إلى جانب عشرة وزراء من داخل السعودية وخارجها.
ووفقا لآراء مختصّين وعقاريين تحدثوا لـ ''الاقتصادية''، فإن البيروقراطية وتضارب المصالح إلى جانب الانفجار السكاني المتزايد يمثل أبرز التحديات أمام معضلة الإسكان في السعودية.
وشددوا على أهمية الاندماج في الأحياء السكنية الجديدة بين شرائح المجتمع كافة، كما فعلت الدول المتقدمة، حيث فرضت بعض الدول على المطورين العقاريين بناء 10 في المائة من مساحة الأحياء الجديدة لذوي الدخول المحدودة، وبذلك يحصل اندماج حقيقي وصحي بين أفراد المجتمع.
وقال ياسر أبو عتيق، الرئيس التنفيذي لشركة دار التمليك للتمويل العقاري، إن هناك تجارب ناجحة في العديد من الدول، فإذا ما تحدثنا عن التجربة التركية نجدها نجحت في إحدى الأفكار المتقدمة وهي المسكن الميسّر، فقد نجحوا في إيجاد مساكن ميسرة في المناطق السكنية المرغوبة''، في الوقت الذي تطلب فيه البلدية أن يكون جزء من المشروع إسكانا ميسرا (نحو 10 في المائة) تخصص لذوي الدخل المحدود، بحيث يحصل اندماج في المنطقة''.
وأشار أبو عتيق إلى فشل فكرة إنشاء ضواحٍ خاصة بأصحاب الدخل المحدود، لأنها تتحول إلى مرتع للجريمة والفساد كما حدث ذلك فعلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، وبيّن أن المطورين يعطون مقابل ذلك إما مساحات إضافية في مكان آخر أو تسهيلات في المشروع المزمع إقامته.
ولفت الرئيس التنفيذي إلى أن حجم المسكن الميسر يعد من أكبر المشكلات التي تواجهها الشركات العقارية، وقال: ''من يحدد المساحات هي الحكومة. نتحدث عن منازل ميسرة لا تقل عن 250 مترا مربعا بحسب وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري، وبعض هذه المساحات كبيرة جدا بالنسبة لبعض الأسر ذات الدخل والعدد المحدود، وعلينا التنبه أن المساحة تصبح تكلفة إضافية سواء من خلال الصيانة أو النظافة أو الاحتياج للكهرباء والمياه في المستقبل''.
وتابع: ''أعتقد أن هنالك تجارب في العديد من الدول ولا نحتاج لإعادة اختراع الأمر من جديد، الإسكان هو الإسكان في أي مكان، في أمريكا متوسط السكن لا يصل إلى نصف متوسط السكن في السعودية، علينا تعريف المساحة أولاً''.
وحول منتجات التمويل الإسكاني قال ياسر أبو عتيق: ''نحاول كل ثلاثة أشهر تلبية حاجات المستهلك عبر منتجات مبتكرة، وفي المستقبل القريب قد نحتاج للتعاون مع بعض الجهات الحكومية التي تقدم الدعم، وهذا يساهم في إيجاد حلول تمويلية مختلفة. نهدف إلى إيجاد حلول تناسب كل فئة، علينا التفكير في مستقبل الصناعة وعدم التفكير في مكاسب على المدى القصير ربما يؤثر على مستقبل الأجيال القادمة''.
من جانبه، أكد الدكتور طارق فدعق عضو مجلس الشورى وعضو لجنة الإسكان بالمجلس تفاؤله بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى، لأن أي نجاح في أي مكان تتمخض عنه دروس نستطيع الاستفادة منها، وأيضا الفشل هناك دروس يمكن الاستفادة منها على حد قوله.
وفي تقييمه للدور الحكومي في حل مشكلة الإسكان، أوضح فدعق أن الدور الحكومي هو الدور الأكبر في توفير المساكن، وذلك من خلال منح الأراضي، وتمويل صندوق التنمية العقاري، وما تقوم به وزارة الشؤون البلدية بشكل عام.
وأضاف: ''برأيي أن الدور الأكبر هو القادم، دواعي التفاؤل كثيرة، أولاً هناك 500 ألف وحدة سكنية بدأت تشق طريقها، وهناك أمر ملكي بهذا الأمر واهتمام خاص من الملك، هناك أيضا الاستراتيجية الإسكانية التي ترسم ملامح الرؤية الإسكانية للعشرين سنة المقبلة، وهي في طريقها للعرض على مجلس الوزراء بحسب معلوماتي''.
وهناك أيضا نظام الرهن العقاري وفقا لفدعق، وهو يفتح مجالات كثيرة لدخول القطاع الخاص للقطاع الإسكاني، إلى جانب تغييرات نظام صندوق التنمية العقارية عبر رفع سقف القروض إلى 500 ألف، وكذلك الحالة الاقتصادية العامة في البلد التي تمر بانتعاش اقتصادي عام، وهذا يساعد الإسكان بشكل أو بآخر.
ونبه عضو مجلس الشورى السعودي، أن بعض الدول مرت بتجارب أسوأ مما تمر بها السعودية في مشكلة الإسكان، ومع ذلك استطاعت التغلب عليها، مثل تركيا وسنغافورة وهونج كونج، لذلك نحن متفائلون بالمستقبل في إيجاد حلول عملية لمشكلة السكن في المملكة.
ويرى المهندس سليم الحربي عضو مجلس إدارة غرفة جدة، ورئيس مجلس إدارة شركة منار العمران للمقاولات، أن البيروقراطية وتضارب المصالح والنمو السكاني الهائل أبرز المعوقات أمام المعضلة الإسكانية.
وقال: ''هناك بيروقراطية كبيرة في تراخيص المخططات. تجارب الدول الأخرى يمكننا الاستفادة منها في حال قدرتنا على تطبيق ما لديهم، لكننا نفتقر للبنية التحتية الصحيحة التي يمكن استخدامها كما يجب، حلول الإسكان معروفة ولا ننتظر حلولاً سحرية، ومن ذلك: التوسع والإسراع في إنشاء المخططات السكنية، إنشاء الضواحي في المدن المزدحمة، دعم شركات التطوير وتسهيل مهامها، وضخ المزيد من القروض الشخصية للمواطنين''.
وتابع الحربي: ''المشكلة في تداخل المصالح الخاصة في شؤون الدولة، وهي من تؤثر على العجز الموجود في السكن. لو سهلت عملية البناء للمواطنين ودعموا بقروض لن نحتاج من الدولة لبناء المساكن، المطلوب القضاء على البيروقراطية''.
وأكد أن الغلاء الفاحش هو من يؤخر عملية الإسكان. ''هناك مستثمرين يستطيعون البناء في مدينة جدة، لكن العائق هو البيروقراطية المستشرية والمصالح الخاصة تغلبت على المصالح العامة وجعلت الأمر مستحيلاً، ومهما جلبنا من تجارب الدول الأخرى لن تصل للمستوى المأمول طالما هذه العراقيل موجودة''.
وحذر المهندس سليم الحربي من أن التأخر في حل مشكلة الإسكان في ظل الانفجار السكاني الرهيب سيفضي إلى عواقب كارثية، وقال: ''على الرغم من أن الأمر حاليا صعب إلا أن التأخير في الحل سيؤدي بنا إلى كارثة تحل بالمواطنين من جراء النمو السكاني الكبير مستقبلاً''.
في غضون ذلك، بيّن المهندس عبد المنعم نيازي مراد الرئيس التنفيذي لشركة ركز الدولية للاستثمارات أن الاستفادة من تجارب الدول المتحضرة في الإسكان تتطلب تركيبة مالية مهمة جداً فيما يخص التمويل.
وقال: ''لا بد للمصارف المحلية أن تتعرف أكثر على مفهوم الإسكان، وتحتاج لتطوير الإدارات الخاصة بالتمويل العقاري للمطورين والشركات الكبيرة والمتخصصين في الإسكان، كما تحتاج وزارة الإسكان إلى أن تطور نفسها داخليا في كيفية التعامل مع معادلة الإسكان فيما يخص التوزيع والصيانة وأسلوب التملك''. وأردف: ''برأيي أن المنتدى موجه لإعانة وزارة الإسكان في تحديد رؤيتها وإعطائها المزيد من الاستفادة وفتح آفاقها، التقصير واضح من الوزارة في عدم التواصل مع مختلف مناطق المملكة، هنالك دراسات عن الإسكان في معظم الجامعات السعودية إلا أن الوزارة ربما اكتفت بجامعة أو اثنتين''.

الأكثر قراءة