لنواكب المرحلة الانتقالية بين الوطنية والمواطنة

عندما يتحول أي مجتمع من دور الوطنية التي تحدد ملامح وحدته إلى المواطنة التي تتطلب المشاركة الاجتماعية، فلابد من مشاركة المجتمعات المحلية ورفع مستوى الوعي لديها بأهمية التخلص من دور المجتمع الرعوي الذي ترعاه الدولة في كل شؤون حياته إلى المجتمع الذي يحترم حقوق الآخر، ويتعايش معه ويلتزم بالقانون كمكون من مكونات سلوكه اليومي بدون الحاجة إلى رقيب، وأن يساهم ويشارك في تنمية مجتمعه كمبادر وناشط اجتماعي.
اليوم الأحياء في المدينة تمثل المجتمع المحلي بجميع مكوناته، وأصبحت البديل عن القرية مع بعض الاختلافات الجغرافية والتركيبة السكانية المتنوعة، مما يعني أهمية التعايش والمشاركة والتفاهم ما بين سكانها، ومن أجل رفاهية سكان الحي وتوفير الخدمات تسعى الدولة إلى بذل الجهود لتوفيرها ابتداء من عقود الصيانة والنظافة إلى توفير الخدمات البلدية والمياه والكهرباء، ووسائل الترفيه والأمن، إلا أن التوسع الكبير والسريع في نمو الأحياء وبالذات في المدن الكبيرة وما شهدته المملكة منذ أكثر من عشر سنوات من بط في الإنفاق وترشيد بسبب حروب الخليج وانخفاض أسعار البترول، أدى ذلك إلى وجود فجوة تنموية شاملة في تلك الأحياء وعدم تواز في النمو السكاني والخدماتي، حتى أن بعض الأحياء في العاصمة- على سبيل المثال- لا يوجد فيها مركز دفاع مدني أو صحي، ناهيك عن عدم توفير البنية التحتية كالصرف الصحي والمياه، وبعضها ما زال فارغا من وسائل الترفيه كالحدائق وملاعب الأطفال وأماكن ممارسة الرياضات.
المهم أعتقد أن هناك تجربة رائدة تعيشها المملكة في إطار المشاركة الاجتماعية من خلال ما يطلق عليه مراكز التنمية الاجتماعية التي تحظى بدعم من الحكومة وترعاها وزارة الشؤون الاجتماعية. وقد صدرت اللائحة التنظيمية لهذه المراكز بقرار مجلس الوزراء رقم 161 وتاريخ 11/5/1428، وافتتحت العديد من مراكز التنمية الاجتماعية في عدة مدن، ووصل عددها كما هو موجود على موقع وزارة الشؤون الاجتماعية إلى 28 مركزا تقدم عدة خدمات مهمة وحيوية مثل رياض الأطفال والحضانة وأندية للطفل ومهرجانات ومسابقات الأطفال، إلى جانب الدورات النسائية في التدبير والأعمال الفنية والمنزلية والحاسب الآلي، كذلك يتم من خلالها توفير المناشط التي تهدف إلى استثمار أوقات الشباب وتدريبهم، وحثهم على المشاركة الاجتماعية وإجراء الدراسات والبحوث الاجتماعية والقيام بالحملات التوعوية الاجتماعية وإنشاء اللجان والصالات والملاعب والمسابح، إضافة إلى إنشاء الجمعيات التعاونية المتخصصة أو الشاملة التي تساهم في التنمية الاقتصادية السكانية.
مراكز التنمية الاجتماعية على الرغم من أهميتها والحاجة الماسة لها، إلا أنها تحتاج إلى المزيد من التسويق والانتشار، وألا يكون دورها محصورا على المراكز والمحافظات، بل تنتقل إلى الأحياء ومشاركة مراكز الأحياء ما دام أنها واضحة المعالم ويوجد لها نظام، وسبق أن أجريت في أكثر من مركز ومحافظة، وهناك تجربة رائدة- على سبيل المثال- مركز التنمية الاجتماعية بالدرعية، وأيضا في عرقة بالعاصمة الرياض. وقد انعكس دورها في العديد من البرامج الاجتماعية والتوعوية، على الرغم من حداثة إنشائها وبالذات مركز التنمية الاجتماعية بحي عرقة، وهناك لجان فعالة للتنمية الاجتماعية بالبديعة والسويدي والربوة وغيرها تقدم العديد من البرامج التطوعية، إلا أنها ما زالت محدودة وتحتاج إلى وقت ودعم حكومي في بداية إنشائها؛ كوننا في مرحلة انتقالية ما بين الوطنية والمواطنة حتى يتشرب الناس فكر المشاركة الاجتماعية والتطوعية.
وإذا أردنا أن نكافح الكثير من السلبيات الاجتماعية والفكرية والمظاهر والممارسات السلوكية غير المنتظمة للشباب، ونرفع من مستوى العمل التطوعي وننظمه ونشرف عليه وندعمه، فلن نجد أفضل من هذه المراكز كبيئة مناسبة لانطلاقة الكثير من البرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبرامج التي تصب في متطلبات الحياة المعاصرة، وتدعم الإصحاح البيئي داخل الأحياء.
أعتقد أن المطلوب الآن من إمارات المناطق والمحافظات المبادرة في حث المجتمع انطلاقا من الأحياء السكنية، وتأسيس وتطوير مفهوم التنمية الاجتماعية وتنفيذه على أرض الواقع من خلال مراكز التنمية الاجتماعية ولجانها وفعالياتها التنموية المختلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي