Author

لنرسم البسمة على الوجوه

|
أرسل أحدهم يقول: مقالاتك صارت تثير الحزن والأسى، فما عدت تتكلم إلا عن المآسي التي يتعرض لها إخواننا السوريون. فهل من طريقة لتعيد البسمة إلى وجوهنا؟ لقد سبق أن كتبت مقالاً بعنوان "ابتسم عني" حول قصيدة شاعر عكاظ، عبد الله عيسى السلامة، والتي هي بهذا العنوان، وفيها يقول: قلت: ابتسمْ عنّي وغِبْ عن ناظِري *** إنْ كنتَ قد أقسمتَ ألاّ تَفهما إن التبسّم والحرائرُ تُستبى *** عارٌ، وشرُّ العارِ أن تتنعما و(الصبرُ) في ظلّ الخميلةِ خِسّةٌ *** إن كان غيرُك للأسنّة مَطعما وكم رأينا من مذيع، ذكراً كان أم أنثى، يخفي دمعته وهو يقدِّم الأخبار، وكم امتنعت قنوات عن عرض صور ضحايا المجازر خوفاً على أعصاب المشاهدين من الانهيار. إلا أنني فكّرت كيف يمكن أن أحقق طلب صديقي، فتوصلت إلى أن هناك أناساً بحاجة لأن نرسم البسمة على وجوههم. إنهم النازحون في العراء أو في مخيمات اللاجئين. وتذكرت ما فعله أستاذ علم الاجتماع في جامعة ماليزية، حيث حثَّ طلابه على إسعاد إنسان واحد، خارج محيط الأسرة، طيلة الفصل الدراسي للحصول على الدرجة الكاملة في مادته، على أن يقدم الطالب عرضاً مرئياً عن عمله. ورغم أن كل الطلاب فازوا بالدرجة الكاملة لكن واحداً منهم كان عمله متميزاً في هذه المبادرة الإنسانية، فقد لاحظ أن طالباً هندياً، يدرس الطب، ويسكن معه في الإسكان الجامعي، لا يبتسم أبداً، ويبدو أنه يعاني من مشكلة، فاختاره لمشروعه. أول هدية كانت رسالة صغيرة وضعها تحت باب غرفته يقول فيها: (كنتُ أتطلعُ إلى أن أصبح طبيباً مثلك، لكني ضعيف في مواد العلوم. لقد رزقك اللهُ ذكاءً ستسهم عبره بإسعاد البشرية). ثم أخذ يقدم له هدايا صغيرة متتابعة دون أن يعرف الهندي من يقدمها له، وراح الماليزي يرقب صاحبه ليرى أثر ذلك عليه، واكتشف أنه صار يبتسم. ويبدو أن الهندي كتب لوالده عن هذه التغيرات فكتب له والده على الفيسبوك (حتى زملاؤك في الجامعة يرونك طبيبا حاذقا! لا تخذلهم واستمر). ومن العبارات التي كتبها أصحابه على صفحته سؤال: ما هي الهدية الجديدة اليوم؟ ومع الزمن تغيرت حياة الطالب الهندي تماما، فتحول من انطوائي وحزين، إلى مبتسم واجتماعي، بفضل زميله الماليزي. واكتُشف فيما بعد أن الطالب الهندي كان يعاني من التحديات الدراسية، وأنه كان ينوي أن يترك الدراسة ويعود إلى بلده، لكن الرسالة الأولى التي تلقاها جعلته يعدل عن قراره. لقد لعب الطالب الماليزي دوراً محورياً في حياة زميله الهندي بعمل صغير قام به. سيصبح الهندي طبيبا يوما ما وسينقذ حياة العشرات، والفضل بعد الله لمن ربّت على كتفه برسالة حانية. التجربة لم تغير من حياة الهندي فقط، بل غيّرت حياة الماليزي أيضاً، حيث قرر بعد تخرجه من الجامعة أن يعمل في مشروع كهذا، بأن يسعد إنساناً كل يوم، بعد أن لمس الأثر الذي تركه، فحوَّل مشروعه إلى عمل مؤسسي استقطب متطوعين يرسمون السعادة في أرجاء ماليزيا. والآن، ما هو دورنا؟ هؤلاء النازحون في العراء والمخيمات يحتاجون إلى رسالة لطيفة أو لمسة حانية في عالمهم المزدحم بالأحزان، فهل نستطيع أن نرسم الابتسامة على وجوههم المثخنة بالجراح؟ وكما فعل الأستاذ الماليزي، فإني أدع كل واحد يفكر في مبادرة خاصة به ليبدأ مشروعه في إسعاد شخص من هؤلاء النازحين من خلال طريقة يختارها لنفسه.
إنشرها