وين «القصمان»؟

تعتبر إمارة القصيم الواقعة في قلب شبه الجزيرة العربية واحدة من أصغر المناطق الإدارية من حيث المساحة، ومن أكبر المناطق تأثيرًا وأهمية في السعودية، فمن الثابت تاريخيًا أن أهالي القصيم هم أول من أدخل التجارة إلى المملكة على يد "العقيلات"، وهم تحالف أسر وقبائل نجدية متحضرة تنحدر من مدينة بريدة وسائر محافظات القصيم، مارسوا التجارة قبل ما يناهز 400 عام، واشتهروا دون غيرهم من قاطني شبه الجزيرة العربية بتجارة الإبل والخيول والأغنام والسمن.. وغيرها من أساسيات العيش حينذاك، كما أن المؤرخين يصفونهم بأنهم أكثر «النجديين» ثقافة ومسايرة للحدث.
إلى جانب الريادة التجارية المسجلة ماركة "قصيمية"، توصف القصيم بأنها "سلة غذاء" المملكة؛ نظرًا لوفرة الإنتاج الزراعي، إضافة إلى إنتاج القصيم أجود وأفخر أنواع التمور وأكثرها طلبًا في أسواق منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص.
إرث «القصمان» التجاري لم ينحصر بماضي "العقيلات" فحسب، بل امتد إلى حاضر الاقتصاد السعودي عبر استحواذ العوائل التجارية "القصيمية" على أغلبية مقاعد مجالس إدارات الغرف التجارية، المصارف، والشركات العاملة في مختلف القطاعات التجارية والصناعية في المملكة وفقًا لبحث أجرته وحدة التقارير الاقتصادية في "الاقتصادية"، تم نشره في أكثر من حلقة على صفحات الصحيفة في أعداد سابقة.
خلافًا لما سلف ذِكره من تقدم وريادة لأبناء القصيم في مجالات حيوية عدة، يظل تأخر أندية القصيم الرياضية وتراجع نتائجها على مستوى كرة القدم وسائر الألعاب مثيرًا للدهشة والاستغراب، قياسًا على ما تزخر به القصيم من أعلام ورجالات يتمتعون بملاءة مالية قوية وكفاءة تنفيذية عالية نجحت في بناء وقيادة أعتى المؤسسات التجارية وصولاً إلى تحقيق نجاحات اقتصادية غير مسبوقة على مستوى المملكة والشرق الأوسط، من أبرزها مصرف الراجحي وهو صناعة قصيمية 100%، فأين «القصمان» عن أنديتهم؟ 14 ناديًا رياضيًا في القصيم ليس من بينهم نادٍ واحد فالح! معقولة؟
أندية (الرائد، التعاون، الحزم، الخلود، النجمة، العربي، الرمّة، الصقر، مارد، الهلالية، الأمل، الجواء، الموج، والتقدُّم) المغلوبة على أمرها تنتظر وقفة جادة من «القصمان»، مشابهة لوقفة وجهاء الرياض وأعيانها، المنطقة الغربية، والمنطقة الشرقية مع أنديتهم. والوقفة لا تقتصر على الدعم المالي، وإنما تشمل تقديم النصح والمشورة لتصحيح المسار الإداري وتقويمه في بعض الأندية؛ لأنه إذا ما تم التزاوج ما بين الوفرة المالية والفوضى الإدارية، فإن النتيجة ستكون عرجاء كما هو الحال في بعض أندية الأثرياء، فالمال بلا فكر سيهوي بأي مؤسسة إلى حفرة الديون. وعلى ذِكر الدين، تعيش بعض أندية القصيم أزمة مالية خانقة في الوقت الذي يسيطر فيه «القصمان» على حصة كبيرة من قطاع المصارف، فيا ليت أن يعلِّم هؤلاء "المصرفيون" مسؤولي الأندية (البطرانة) حسن التدبير المالي؛ حتى لا تمسي الكرة السعودية على أندية (طفرانة) في ظل تفاقم الأزمات المالية مع استمرار نظام الهدر المدمِّر لميزانيات الأندية الرياضية.
تمر أبرز أندية القصيم بمرحلة من التجاذبات الإدارية والانقسامات الشرفية التي انعكست سلبًا على نتائج فرق كرة القدم، وأظن أن الوقت قد حان لتدخل حميد من الحكماء لرأب الصدع ولمّ الشمل بين المتنازعين من أبناء الكيان الواحد، سواء في الرائد والتعاون في بريدة، أو في الحزم في الرس. ولا يخفى على قارئ هذه السطور أن القصيم قد أنجبت كثيرًا من القيادات الرياضية، منهم مثلاً لا حصرًا: رئيس نادي الشباب الأستاذ خالد البلطان، نائب رئيس نادي النصر العميد فهد المشيقح، رئيس لجنة تراخيص الأندية في رابطة دوري المحترفين السعودي وعضو شرف نادي الهلال المهندس طارق التويجري. هذه ثلاثة نماذج قيادية رياضية قادرة على إيجاد حل جزئي (على الأقل) لمشكلات أندية القصيم، فلماذا غابت مبادراتهم عن الأندية "القصيمية" وحضرت في الأندية "العاصمية"؟ أنديتكم أولى بالإحسان يا «قصمان». ولهذا أقول، أنقذوا أنديتكم قبل أن تندثر مثلما اندثر سوق «الجردة» الذي أصبح مكانًا لبيع الخِردة.
ماذا لو قرر «القصمان» استثمار جزء من ثرواتهم الفكرية والمالية في أنديتهم الرياضية؟ الصورة في نظري ستكون: ناديًا قصيميًا من ضمن الأربعة الكبار في المملكة.

آخر فنجان:
لن ينفق «القصمان» العصاميون "هللة" واحدة على الرياضة، إلا بعد انتهاء عصر (التخبيص) وابتداء عصر التخصيص!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي