Author

هل نصدق القيمة الدفترية أم القيمة السوقية؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
يمكن للقيمة السوقية لأي شركة أن تكون أعلى أو أدنى من القيمة الدفترية للشركة أو مساوية لها، وذلك بسبب اختلاف رؤية السوق لما تستحقه الشركة من قيمة سوقية. فقد تكون القيمة الدفترية لإحدى الشركات عشرة ريالات بينما يتم تداول أسهمها عند 50 ريالاً، وأخرى لها القيمة الدفترية ذاتها إلا أن المستثمرين لا يودون دفع أكثر من ستة ريالات لشراء أسهمها. فما السبب في تفاوت القيمة السوقية بهذا الشكل الكبير على الرغم من أن القيمة الدفترية واحدة؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا النظر إلى طبيعة القيمة الدفترية ومكوناتها، وعلاقة ذلك بالقيمة السوقية وبأصول الشركة. القيمة الدفترية هي القيمة الكلية لصافي أصول الشركة، أي مجموع ما تملكه الشركة من أصول مثل الحساب النقدي وما شابهه والأراضي والمباني والمعدات والأجهزة والرخص التجارية والحكومية كحقوق الامتياز والشهرة، وأي أصول أخرى ملموسة أو غير ملموسة، متداولة أو غير متداولة، مخصوماً منها جميع الالتزامات التي على الشركة. هذا يعني أن القيمة الدفترية هي القيمة المحاسبية المقيدة لصافي أصول الشركة، وهي القيمة المفترضة للشركة لو أنها قررت التصفية الكاملة ببيع جميع أصولها وتسديد ديونها، وتوزيع ما يتبقى على المساهمين. إلا أن هذا التعريف البسيط يخفي خلفه العديد من التعقيدات والتقديرات التي غالباً ما تكون مخالفة للواقع. ولو أن القيمة الدفترية المقيدة في قائمة المركز المالي سليمة 100 في المائة، بمعنى أنها تعكس القيمة العادلة لصافي أصول الشركة، لما أمكن تداول سهم الشركة بأقل من هذه القيمة، إلا بقدر بسيط يعود إلى مفهوم القيمة الحاضرة واختلافها عن القيمة المستقبلية. أي أنه حتى لو كانت القيمة الدفترية مكونة من الحساب النقدي للشركة فقط، فستكون القيمة السوقية أقل بقليل من القيمة الدفترية، لأن ريال المستقبل أقل ثمناً من ريال اليوم، إلا أن هذه جزئية هامشية لا تعنينا هنا. لماذا إذاً تقيم شركة قيمتها الدفترية عشرة ريالات بـ 50 ريالاً في السوق؟ يعود السبب لاعتقاد المستثمرين بأن ربحية الشركة ونموها المستقبلي سيحقق أرباحاً عالية تجعل 50 ريالاً سعراً مناسباً لهذه الشركة. ليس غريباً أن تجد شخصاً يعرض مبلغ مليون ريال لمالك مطعم صغير لم يكلف مالكه أكثر من 100 ألف ريال، بسبب نجاح المطعم وجاذبيته للزبائن، وبالتالي احتمال تحقيقه أرباحا عالية على مدى السنوات القادمة. فعملية تبرير السعر السوقي المرتفع كثيراً عن القيمة الدفترية تعود للمستثمرين ونظرتهم للشركة، ولو كانوا على خطأ فهم من يتحمل المسؤولية، هذا على فرض عدم وجود أي معلومات خاطئة أو مضللة من الشركة أو من خارج الشركة. لكن كيف نفسر تداول أسهم شركة بسعر يقل كثيراً عن القيمة الدفترية؟ هناك بعض التفسيرات، أترك للقارئ تقدير أقربها لواقع الشركات في السوق السعودية. أحد هذه التفسيرات هو أن المستثمرين ببساطة مخطئون في تقديرهم سعر السهم، حيث يعتقدون أن نمو الشركة المستقبلي وما ستحققه من تدفقات نقدية يقل بكثير عن القيمة الدفترية، التي نفترض أنها سليمة بمعنى أنها تعكس القيمة العادلة لصافي أصول الشركة. أي أن هؤلاء المستثمرين قاموا باستخدام أساليب خاطئة لتثمين الشركة، وبهذا فالقيمة السوقية غير صحيحة، لأن سعر السهم يجب - على الأقل - أن يساوي القيمة الدفترية! من الصعب جداً حدوث مثل هذه الحالة في سوق تتمتع بكفاءة عالية يتم فيها تقييم الأصول بناء على معلومات كافية من قبل جموع كبيرة من المحللين. ماذا لو كانت التقديرات سليمة وتم استخدام أفضل الأساليب والنماذج التحليلية المعروفة مثل مكررات الربحية وتثمين الأرباح الموزعة المستقبلية وتثمين التدفقات النقدية الحرة والتثمين بناء على مفهوم الدخل المتبقي أو الدخل الاقتصادي أو غيرها من الأساليب، وتبين للمحللين أن سعر السهم يجب ألا يتجاوز ستة ريالات، بينما القيمة الدفترية للسهم عشرة ريالات؟ مرة أخرى، لو كانت القيمة الدفترية سليمة لما أمكن لهؤلاء المحللين التوصل لهذا السعر، ما يعني أن هؤلاء المحللين لم يعتمدوا على القيمة الدفترية المعلنة، لأنهم لو اعتمدوا عليها، وهي تعكس القيمة الحقيقية العادلة، لما قدروا سعر السهم بأقل من عشرة ريالات مطلقاً. هل يجب أن تعكس القيمة الدفترية القيمة العادلة لصافي الأصول؟ هذا في الواقع ما يسعى إليه العرف المحاسبي لكنه غير ممكن وغير عملي، والسبب هو أن الأصول تسجل بطريقة معينة وتعالج محاسبياً وفقاً لطرق وقوانين محددة ليست إلا مجرد محاولات لقيد الأصول بقيمتها العادلة. على سبيل المثال، يحسب استهلاك الأصول بطرق تقديرية أشهرها مبنية على قسمة تكلفة الأصل بعدد سنوات العمر الافتراضي للأصل، وهذه مجرد وسيلة تقديرية غالباً لا تعكس القيمة العادلة للأصل. كما أن الأراضي تسجل بتكلفة الشراء ولا يخصم منها أي استهلاكات سنوية، مثلها مثل أصول أخرى كثيرة غير متداولة لا تُعرف قيمتها الحقيقية، مثل بند الشهرة أو امتلاك مشاريع قائمة أو تملك شركات خاصة. عندما تشذ القيمة السوقية عن القيمة الدفترية بشكل لافت، سواء إلى الأعلى أو إلى الأسفل، فإن ذلك يستوجب حذر المستثمرين ويقظة الجهات المشرفة على السوق. فبينما هناك اتفاق على أن الأنظمة المحاسبية لن تتمكن من جعل القيمة الدفترية تعكس بشكل دقيق القيمة العادلة لصافي الأصول، هناك بالمقابل اتفاق على ضرورة قيام المحلل المالي بتقدير قيمة صافي الأصول بنفسه وعدم الاعتماد على ما هو مقيد في سجلات الشركة. لا توجد في السوق السعودية آلية لمتابعة القيم الدفترية للشركات من قبل الجهات المعنية، أي أن مسألة إعادة تقييم الأصول بسبب الهبوط في قيمة الأصول متروك لإدارة الشركة. فإن كانت إدارة الشركة أمينة – وجريئة - فستقوم باستخدام المعيار المحاسبي المعد لهذا الغرض، الصادر من الجمعية السعودية للمحاسبين القانونيين، وإن لم تقم بذلك فلا أعتقد أن هناك من سيقوم بمساءلتها – مع الأسف. هناك الكثير من الشركات السعودية التي لديها أصول غير متداولة، أعرف بعضاً منها لا يزال مسجلاً بعدة أضعاف قيمته العادلة، علماً أن الأصول غير المتداولة أسهل بكثير لإعادة التقييم من الأصول غير الملموسة، مثل براءات الاختراع والرخص التجارية وحقوق الامتياز وغيرها. خلاصة القول إن القيمة السوقية تكون غالباً أعلى مصداقية من القيمة الدفترية، إلا أن القيمة السوقية ذاتها تعتمد على صحة القيمة الدفترية، ومتى كانت القيمة الدفترية مغلوطة أو مضللة أو صحيحة محاسبياً، لكن بعيدة عن القيمة العادلة، فإن القيمة السوقية ستكون غير صحيحة، إلا في حالة وجود سوق أسهم كبرى، تحتوي على جيوش من المحللين والخبراء والمراقبين. أحياناً في السوق السعودية نحن أمام معضلة كبيرة، إن صدقنا القيمة الدفترية وجب أن تكون القيمة السوقية خاطئة، وإن صدقنا القيمة السوقية وجب أن تكون القيمة الدفترية خاطئة!
إنشرها