Author

أمريكا .. ومستقبل بترول الشرق الأوسط

|
التقرير السنوي الذي نشرته وكالة الطاقة الدولية في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 عن توقعات الطاقة العالمية في المديين المتوسط والطويل.. تقرير فيه كثير من عدم اليقين. وما يهمنا أن نعلق عليه هو ما نشره التقرير عن النفط الصخري، فقد أشار التقرير إلى أن النفط الصخري سينقل الولايات المتحدة ــ في غضون سنتين ــ من دولة مستوردة للنفط إلى دولة مصدرة له، كذلك يتوقع تقرير الوكالة أن أمريكا ستتجاوز السعودية في الاحتياطي النفطي. قفزة يصعب تمريرها في فترة زمنية وجيزة وفي سلعة يزداد الطلب عليها عالمياً وليس غربياً فحسب. لذلك، فإنني أرى أن قيام عدد من الكتاب السعوديين بالتسليم بكل ما جاء في التقرير يعتبر مبايعة غير موضوعية. إن قضية البترول الصخري والاستغناء عن بترول الشرق الأوسط قضية تصدرت برامج مرشحي الرئاسة الأمريكية، وهي لذلك قريبة من الفرقعات الإعلامية التي يتنادى بها المرشحون في سباقهم المحموم إلى كرسي الرئاسة. ورغم أننى لا أحب أن أتعامل مع نظرية المؤامرة إلاّ أن قضية النفط الصخري الأمريكي الذي تغنى به مرشحو الرئاسة الأمريكية إبان سباق الرئاسة تحتاج إلى مزيد من التدقيق والفرز. إن تقرير وكالة الطاقة الدولية يشير إلى أن الولايات المتحدة ستصبح قبل نهاية العقد الجاري دولة مصدرة للنفط، وأنها ستنتج 6,5 مليون برميل يومياً بعد أن كانت تنتج 1,5 مليون برميل يومياً، كذلك يشير تقرير الوكالة الدولية إلى أن الولايات المتحدة ستصبح بحلول عام 2017 أكبر منتج للنفط في العالم. هذه المعلومات والبيانات التي تتدفق علينا دفعة واحدة تحتاج منا إلى ألا نتعجل في التعامل معها. إن الإسهال في ضخ هذه الأخبار يؤكد أن الأمر لا يخلو من مبالغات كثيرة. دعونا نتساءل: لماذا قررت الولايات المتحدة غزو العراق؟ ولماذا صممت ما سمته الحرب على الإرهاب؟ ولماذا تركض أمريكا حتى الآن وراء مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ ولماذا لم تصمم الولايات المتحدة خططاً طويلة المدى لمستقبل الطاقة تؤمن للاقتصاد الأمريكي استمرار النمو والريادة؟! أقول لا يوجد مبرر واحد يجبر الولايات المتحدة على خوض الحروب وبالذات في الشرق الأوسط إلاّ آبار البترول! إذا كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من النفط الصخري، كما يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية، فكان يجب على أمريكا ألا تخوض كل تلك الحروب التي راح ضحيتها زهرة شباب أمريكا، وتكتفي بتسخين العلاقات السياسية الدولية كما تفعل مع كوريا الشمالية! إن الطلب العالمي على النفط في الوقت الراهن يصل إلى نحو 90 مليون برميل في اليوم، وتتوقع التقديرات أن الطلب العالمي على البترول سيصل إلى 91,6 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2015، أي أن الطلب العالمي على البترول سينمو ولن يتراجع. ولأن بترول الشرق الأوسط سلعة استراتيجية مهمة للولايات المتحدة، فإن رؤساء الولايات المتحدة ووزراء خارجيتها يتحركون مع تحرك الأوضاع المضطربة في منطقة الشرق الأوسط، لذلك أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما أخيرا أكثر من اتصال مع الإدارة المصرية للوقوف على حقيقة الأوضاع في مصر، كذلك اتصلت كلينتون بوزير خارجية مصر للوقوف على المستجدات على الساحتين المصرية والسورية. ويجدر أن نعرف أن الولايات المتحدة تستهلك يومياً نحو 20 مليون برميل من النفط بأنواعه، وتنتج الآن نحو عشرة ملايين برميل، وتستورد من الخارج الفرق من النفط الخام والمكرر. إن التكلفة الاقتصادية لبرميل النفط تتمحور بين 44 و68 دولاراً للبرميل كي تصل إلى نقطة التعادل، وتكلفة الإنتاج في الولايات المتحدة أعلى بكثير من مناطق عدة في الشرق الأوسط. وإذا وصلت تكلفة برميل النفط إلى 60 دولاراً، فإن هذا من شأنه أن يقلص الاستثمار في إنتاج النفط الصخري بما نسبته 40 في المائة، وهذه النسبة كفيلة بتقويض صناعة إنتاج النفط الصخري. كذلك فإن الطلب المتزايد على نفط الشرق الأوسط من الصين والهند سيعوض انخفاض الطلب الأمريكي على بترول الشرق الأوسط. إن صناعة النفط في الشرق الأوسط راسخة، وستحقق مزيداً من النمو لسببين أساسيين، هما: أن تكلفة استخراج النفط من حقول كثيرة في الشرق الأوسط ومنها السعودية منخفضة مقارنة باستخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك أن الطلب على بترول الشرق الأوسط من دول شرق آسيا وبالذات الصين والهند سيزداد بشكل يفوق ما كانت تطلبه الولايات المتحدة، وبمعنى آخر أن 90 في المائة من صادرات نفط الشرق الأوسط ستتجه إلى آسيا بحلول عام 2035 بدلاً من 50 في المائة. وفي كل الأحوال فإن الطلب على نفط الشرق الأوسط سيظل قائماً، ولن يتأثر بالفرقعات الإعلامية الأمريكية!
إنشرها