Author

فرقة العملاء والخونة

|
هو مشهد كوميدي، تمارسه كل الأطياف في هذه الأرض العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج. إذا اختلفت مع أحد وطرحت رأيا مغايرا، أول تهمة تطولك هي العمالة والخيانة. لا أظن أن أي شخص يتعاطى مع الشأن العام لم يشهد مثل هذه الاتهامات على الساحة العربية. التيارات الدينية السنية والشيعية كل منها يعتبر أنه يملك الحقيقة، ولهذا فأي إنسان له رأي مخالف لها، هو كافر وعميل وخائن وزائر للسفارات. في المقابل، فإن التيارات الليبرالية والاشتراكية لا تجد أي رادع من توزيع الاتهامات بالجمود والتحجر والظلامية ... إلخ. وسط هذه الحوارات المحتدمة، لا يجد من يحاول أن يكون متزنا مساحة تستوعبه، فرؤية بوش الأب "إن لم تكن معي فأنت ضدي" يمارسها من يكرهون بوش ومن يميلون إليه بحجة أنه كان مؤثرا في عملية تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في التسعينيات من القرن الماضي. الاستقطاب الحاد في بلادنا العربية ـ ونحن لسنا في منأى عن كل هذا ـ خطير جدا، ولا يبشر بخير. من حق كل إنسان أن يرى رأيا مخالفا، لكن من غير العدل أن يتم تضييق ثوب الوطنية وتفصيله بحيث لا يتسع إلا لهذا الطيف أو ذاك. أوطاننا أكبر من ذلك. أوطاننا أجمل. ونحن نتجمل بأوطاننا. والهوية الوطنية ثرية جدا بألوان الطيف التي تستوعبها، وعندما يتم تضييقها بالاتهامات بالتكفير أو الغلو أو التفريط أو سواها من اتهامات، فإن هذه تمثل اللبنة الأولى للفرقة والشتات. من المؤلم أن يتم ذلك تارة باسم الله ـ تعالى الله عما يفعلون ـ وتارة باسم الحرية والديموقراطية وهي منهم براء.
إنشرها