Author

الرسوم الجديدة تساوي بين عامل النظافة والمدير العام

|
أجزم أن قرار اختيار وزير العمل كان مبنياً على علاقته وخبرته الطويلة في القطاع الخاص. هذا يجعل الدولة في حِل من كثير من المسؤوليات التي قد يوجهها اللائمون لها لو كانت اختارت شخصاً من ذوي الخبرة في البيروقراطية الحكومية. اختيار الوزير لمهمة كبرى مثل توطين الوظائف وضمان أفضل الفرص للمواطنين هو - في حد ذاته - تحدٍ عظيم. يضاف إلى تلك المسؤولية الكبرى أن هذه الوزارة تصنع في كثير من الدول نجاح أو فشل السياسات الحكومية. ولا بد أن القارئ يتابع تأثير أرقام البطالة في قرارات الناخبين في كثير من دول العالم. تقع هذه الوزارة في لب الاهتمام الرسمي والشعبي بقراراتها التي تؤثر في حياة المواطن ومناخ الأعمال وقدرة الاقتصاد وجاذبيته للمستثمرين. تبدو مهمة وزارة العمل لدينا للمشاهد من الخارج وكأنها أسهل المهام. فهناك اقتصاد يضم أكثر من ثمانية ملايين فرصة وظيفية، يشغل المواطنون 775 ألفا منها فقط. ولا يتجاوز عدد العاطلين عن العمل 1.5 مليون مواطن حسب المعلومات المتوافرة من ''حافز''. إذاً فمهمة الوزارة سهلة، إذ يجب أن توفر ما يقارب هذا العدد من الوظائف لأبناء الوطن، وتعمل على استمرار زيادة العدد بما يتوافق مع أعداد المتقدمين للوظائف سنوياً. عند تحويل هذه المعادلة إلى خطة، سيكون من السهل أن توفر فرص العمل للمواطن بما يتوافق مع مؤهلاته وإمكاناته. هذه الخطة يجب أن تأخذ في الحسبان التخصصات الموجودة في السوق، وتعطي الأفضلية للسعوديين، وتبقي على عنصر تنوع الطاقات البشرية في مختلف القطاعات بحيث يستفيد المواطن ويستفيد رب العمل ويستفيد المتعاقد كل بحسبه. بدأت الوزارة عملية جراحية سريعة حاول خلالها الوزير السابق أن يحد من التلاعب في التأشيرات ونجحت الفكرة – إلى حد ما – ثم توجهت الوزارة نحو إجراء علمي يسهم في توطين وظائف محددة وفي قطاعات محددة اعتماداً على المعلومات الإحصائية الموجودة في السوق، وبناء على مدخلات تقدمها الشركات التي تعمل في السوق نفسها، وهذا ما سمته الوزارة برنامج ''نطاقات''. برنامج ''نطاقات'' محاولة جريئة للتعامل مع السوق بطريقة رقمية بحتة. انتقده البعض، وكنت منهم في مقال كتبته قبل سنة ونصف تقريباً. يعتمد البرنامج على الأرقام فقط. فهو يطالب بعدد معين من السعوديين بغض النظر عن موقعهم في السلم الوظيفي والمهام التي يقومون بها. هذا التوجه يؤدي إلى التوظيف في الأعمال البسيطة التي لا تسهم في توطين التقنية أو ضمان مستقبل لذوي التأهيل العالي. كما كان البرنامج مبيناً على حوافز يفترض أن تحاربها الوزارة وهي زيادة عدد التأشيرات. يضاف هذا إلى عدم عناية البرنامج بمستقبل السوق والتغيرات التي ستحدث بناء على ارتفاع عدد خريجي الجامعات في المملكة وفي الخارج. ظهر بعد ذلك برنامج ''حافز'' وهو برنامج يقدم البديل المادي للعاطلين عن العمل، ويسهم في تأهيل الراغبين في التوظيف، ويعمل على توفير الفرص الوظيفية الملائمة. هذا التوجه بني على تجارب عالمية، لكنه لم يعتمد أياً منها سوى في تقديم البديل النقدي دون تقديم الوظيفة الجاذبة. يتوقع أي قارئ لوضع السوق أن يكون برنامج حافز أول برامج الوزارة تطبيقاً، لما للمعلومات الإحصائية التي يقدمها من أثر في البرامج الأخرى. إن المعلومات الإحصائية التي يفترض أن تنتج عن برنامج ''حافز'' هي الأساس في تقويم برنامج ''نطاقات'' وإدارته. فمن خلال المعلومات الواردة عن حال وتخصصات وتأهيل المتقدمين لبرنامج ''حافز''، يفترض أن نبني النطاقات بحيث تكون هناك قيمة أكبر للتخصصات التي يعاني أصحابها البطالة بدلا من أن تكون أرقام عمال النظافة تعادل أعداد جراحي المخ والأعصاب في نظر برنامج ''نطاقات''. جاء القرار الأخير بفرض ضريبة تبلغ 2400 ريال على منشآت القطاع الخاص على كل أجنبي توظفه بمفهوم مختلف، لكنه يتماشى مع أسلوب الوزارة في عدم ربط البرامج ببعضها وهو الخطأ الأكبر. يجب أن يكون لكل برنامج قاعدة بيانات وربط علمي إحصائي ببقية برامج الوزارة. فمن خلال ''حافز'' نعرف الوظائف التي يجب توطينها، ومن خلال ''نطاقات'' نستطيع أن ندعم توطين تلك الوظائف التي يوجد مؤهلون لشغلها في السوق. ثم يأتي برنامج الضريبة الجديد لينبي على البرنامجين السابقين. المقصود هو أن يحقق البرنامج الجديد عقوبات على من لا يمنحون الفرص الوظيفية للمؤهلين لشغلها من المواطنين. يمكن أن تكون الضريبة أعلى الوظائف التي توجد أعداد كبيرة من مستحقيها من المواطنين، وتنخفض تدريجياً كلما كان الراغبون في الوظائف أقل. هذا يستدعي أن توجد الوزارة قاعدة بيانات متقدمة تسيطر على سوق العمل، وتمنع التلاعب بالأسماء التي تحدث في الكثير مؤسسات وشركات القطاع الخاص، وتبني عليها عقوبات تلائم المخالفات المرتكبة. لست من أصحاب الأعمال ولكنني رأيت الكثير من الانتقادات الموجهة للبرنامج، ومن أهمها أن البرنامج - كسابقه ''نطاقات'' - لا يفرق بين الوظيفة المطلوبة من قبل السعوديين والوظيفة غير المطلوبة، فصاحب شركة النظافة ملزم بدفع ما يقارب 30 في المائة من رواتب العمال كرسوم، بينما صاحب المستشفى قد لا يدفع أكثر من 1 في المائة من رواتب الأطباء. هذه البساطة في التعامل مع قضية العمل وتوظيف العاطلين ستؤدي في النهاية إلى البحث عن برنامج جديد وتجربته في حقل العمل الذي لم يعد يحتمل المزيد من التجارب. لذا أنادي بقرارات علمية تربط برامج الوزارة بشكل منطقي وتُبنى على الإحصائيات والمعلومات الدقيقة عن المؤهلات ونسب توافرها لدى المواطنين ومن ثم شغلها بالمناسب كعلاج علمي مستديم.
إنشرها