Author

رسوم العمالة الوافدة في المملكة .. هل تؤدي إلى التضخم؟

|
تناولنا في الحلقة السابقة من هذا المقال تحليل إمكانية أن تؤدي الرسوم على العمالة الوافدة إلى إيقاف تجارة الإقامات، وإمكانية أن تؤثر هذه الرسوم في تدفقات تحويلات العمالة الوافدة خارج المملكة. اليوم نختتم هذا المقال بتحليل الآثار المترتبة على القرار على المستوى العام للأسعار في المملكة. فقد كان من بين ما أثير حول الآثار المتوقعة للرسوم أنها سوف تؤدي إلى رفع تكلفة المنشآت في القطاع الخاص، فهل يؤدي فرض الرسم إلى ارتفاع مستوى الأسعار في المملكة؟ للإجابة عن هذا التساؤل علينا أن نعلم أن معدل التضخم في المملكة يتم تحديده على أساس، ثماني مجموعات سلعية هي الأطعمة والمشروبات، والأقمشة والملابس والأحذية (بوزن 26 في المائة)، والترميم والإيجارات والوقود والمياه (بوزن 18 في المائة)، والتأثيث المنزلي (بوزن 11 في المائة)، والرعاية الطبية (بوزن 2 في المائة)، والنقل والاتصالات (بوزن 16 في المائة)، والتعليم والترويح (بوزن 6 في المائة)، والسلع والخدمات الأخرى (بوزن 13 في المائة). من هذا التوزيع لمكونات الرقم القياسي للأسعار في المملكة نلاحظ أن أهم ثلاث مجموعات تمثل وزنا بنحو 60 في المائة في الرقم القياسي، وهي الأطعمة والمشروبات والأقمشة والملابس، والترميم والإيجارات والوقود والمياه، والنقل والاتصالات. بالطبع هذه المجموعات السلعية المختلفة يتم إنتاجها وتوفيرها من ثلاثة قطاعات رئيسة، وهي القطاع الخاص، والقطاع الحكومي، والقطاع الخارجي (عن طريق الاستيراد). اثنان من هذه القطاعات المقدمة للسلع والخدمات في المملكة غير مرشحة لأن تتأثر بقرار رفع الرسوم وهي القطاع الحكومي، حيث لا تفرض الرسوم على العمالة الوافدة بهذا القطاع، والقطاع الخارجي، حيث لن تتأثر أسعار الواردات بمثل هذا القرار بأي حال من الأحوال. يبقى القطاع الخاص، وهو القطاع الذي ستتأثر المنشآت العاملة فيه والتي تنطبق عليها شروط قرار فرض الرسوم. بالتأكيد مثل هذه المؤسسات سوف ترتفع تكاليفها نتيجة فرض الرسوم، وبالتالي سوف تحاول رفع أسعار بيع السلع والخدمات التي تقدمها لتعويض تلك الرسوم من المستهلك النهائي لهذه السلع والخدمات. لكي نقيم الأثر على المستوى العام للأسعار نحتاج إلى معرفة وزن القطاع الخاص في الاقتصاد السعودي، باعتباره القطاع الذي سيتحمل هذه الرسوم في صورة ارتفاع في تكلفة السلع والخدمات التي يقوم بإنتاجها. الجدول رقم (1) يوضح توزيع الناتج المحلي الإجمالي في المملكة حسب القطاع خلال السنوات العشر الأخيرة. ووفقا للجدول فإن القطاع غير النفطي في المملكة يمثل في المتوسط نحو 68.8 في المائة من الناتج، موزعة بين القطاعين الحكومي والخاص، ومن الجدول يتضح أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بلغت في المتوسط 45.9 في المائة، وهذا ما يمثل الوزن المتوقع أن ترتفع به تكاليف إنتاج السلع والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي. إذا عكسنا هذا الوزن المتوسط في المستوى العام للأسعار في المملكة وأخذنا في الاعتبار التكلفة الإضافية التي سوف يتحملها القطاع الخاص نتيجة فرض الرسوم يمكن أن نعطي فكرة ولو تقريبية عن الضغوط التضخمية المتوقعة لفرض الرسوم. وفقا لآخر الإحصاءات المتاحة عن أعداد المشتغلين في المملكة، فإن إجمالي المشتغلين قد بلغ 10.5 مليون عاملا في عام 2011، منهم 4.1 مليون عامل سعودي. معنى ذلك أن إجمالي المشتغلين من العمالة الوافدة في المملكة بلغ 6.4 مليون عاملا في عام 2011. ونظرا لغياب الإحصاءات التفصيلية عن توزيع هذه العمالة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك الإحصاءات التفصيلية حول أعداد العمالة الوافدة في القطاع الخاص بالمنشآت التي تخالف القواعد العامة لقرار فرض الرسوم، فإنه لا يمكن تحديد أعداد العمالة الوافدة التي سيتم تحصيل الرسوم عليها. ولأغراض تقييم الأثر المتوقع للرسوم على ارتفاع تكاليف الإنتاج في المملكة بشكل عام، سوف نقدر إجمالي الرسوم المحصلة استنادا إلى إجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص، وهو تقدير سوف يكون مبالغا فيه للأسباب التي تم تفصيلها في الحلقة السابقة من هذا المقال، ووفقا لهذه التقديرات لأعداد العمالة الوافدة في المملكة، فإن إجمالي الرسوم على إجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص يتوقع أن يصل إلى 11.3 مليار ريال. استنادا إلى بيانات مصلحة الإحصاءات العامة في المملكة، فإن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 بالأسعار الجارية بلغت نحو 563 مليار ريال، أي أن الرسوم المتوقع تحصيلها من إجمالي العاملين في هذا القطاع تمثل 2 في المائة من إجمالي الناتج في القطاع الخاص، وأخذا في الاعتبار متوسط مساهمة القطاع الخاص في الناتج والتي تبلغ 45.9، فإنه من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والخدمات التي يقدمها القطاع الخاص بنحو 0.9 في المائة، وهو إجمالي الأثر المتوقع لفرض الرسوم على الأسعار في المملكة. بالطبع فإن التأثير الفعلي في الأسعار سوف يكون أقل من ذلك بكثير لعدة أسباب أهمها أن الرسوم لن تفرض على كافة العاملين، وإنما على العاملين في المؤسسات المخالفة فقط، وأنه من المتوقع أن تكون هناك محاولات للتهرب من دفع الرسوم من خلال العديد من الوسائل أهمها التوظيف الوهمي. تنبغي الإشارة كذلك إلى أننا لا بد ألا نهمل ما يسمى بالآثار التشابكية القطاعية للرسوم، أي الزيادة في تكلفة إنتاج قطاع ما نتيجة ارتفاع هذه التكلفة في قطاع آخر، بمعنى آخر فإن القطاع الحكومي في تأديته للخدمات التي يقوم بها يحتاج في بعض الأحيان إلى الاعتماد على القطاع الخاص للمساهمة في تقديم هذه الخدمات، أو يحصل على بعض المدخلات للخدمات التي يقوم بها من القطاع الخاص، وعندما ترتفع تكلفة الإنتاج في القطاع الخاص، من المتوقع بالتبعية أن ترتفع تكلفة القطاع الحكومي، يعتمد ذلك على كثافة العلاقات التشابكية بين هذين القطاعين، ولكن نظرا لغياب أية معلومات عن كثافة العلاقات التشابكية بين القطاعين لا يمكننا الحكم بدقة حول مدى صحة هذه النتيجة. على أي حال لا بد وأن يكون المجتمع مستعدا لدفع هذه التكلفة مهما بلغت إذا ما أراد توظيف العمالة الوطنية، والتخلص من العمالة الوافدة، ولا ينبغي أن يتذمر المواطن من ارتفاع أسعار السلع نتيجة لفرض الرسوم، لأن هناك هدفا أسمى من وراء ذلك، وكافة دول العالم التي تعتمد على عمالتها الوطنية مرتفعة الأجور لا تشتكي من ذلك. على سبيل المثال يدفع الشخص في اليابان أسعارا مرتفعة للغاية للسلع والخدمات التي يستهلكها، مقارنة بما يدفعه المستهلك خارج اليابان لهذه السلع والخدمات نظرا لأنها منتجة باستخدام عمالة وطنية أجورها مرتفعة جدا، ولم يطالب المستهلكون في اليابان باستبدال العمالة اليابانية بعمالة أجنبية حتى يتم تخفيض أسعار السلع التي يستهلكونها، إنها الضريبة التي لا بد أن يدفعها المجتمع إذا ما أراد توفير فرص عمل للعمالة الوطنية. الخلاصة هي أنه ليس من المتوقع أن يؤدي فرض الرسوم على العمالة الوافدة إلى رفع كبير في أسعار السلع والخدمات المقدمة في المملكة، وأنه ليس من المتوقع أن تتجاوز نسبة الزيادة في الأسعار نتيجة فرض الرسوم 0.9 في المائة في أول سنة لفرض الرسوم.
إنشرها