Author

الإنتاجية بين العمالة الوافدة والوطنية

|
منذ ثلاثة عقود والحديث مسترسل متشعب عن العمالة الوافدة مقابل السعودة والحد من البطالة.. وقد جرت مياه كثيرة في مجرى السعودة بالإحلال وخلق فرص وظيفية جديدة مستهدفة في الأساس تشغيل القوى الوطنية، على أنه دور رئيس مستحق لتوفير مصدر العيش الكريم للمواطن غاية التنمية ومحورها. وفي غمار السجالات والمعالجات التي تمت عبر آليات السعودة بالإحلال ونظامي ''حافز'' و''نطاقات'' وعلاقة هذه المعالجات بصندوق الموارد البشرية ونظام العمل الذي تتولى مهامه وزارة العمل وسياسات التخطيط بشكل عام.. في ظل ذلك كله بدا أن هناك مفارقة بين الرغبة في تشغيل القوى الوطنية، والرغبة في رفع الإنتاجية، وارتبك المنظور حيالهما من حيث الأولوية. من المؤكد لم يكن الارتباك ناجماً عن سوء تقدير في الأهمية القصوى للإنتاجية وأنها هي المعيار الذي يحكم أداء التنمية، بل يستديمها، وإنما كان الارتباك ناجماً عن التركيز الشديد على ''الحد'' من العمالة الوافدة التي تزاحم القوى العاملة الوطنية، دون الوضع في الحسبان أن هذا الحد من الوافدين بتقليل الاستقدام أو بوضع الرسوم أو ما شابه ذلك من دعم يقوم به صندوق الموارد البشرية مكافأة للسعودة، لا يؤدي سوى إلى تخطي الإنتاجية بأسبقية السعودة.. وهو موقف يترك الحال في وضعية توفيقية غير موفقة، تأتي على حساب الإنتاجية والسعودة معاً. وحتما تشغيل القوى الوطنية هدف استراتيجي نبيل لا يختلف عليه اثنان، لكنه ينبغي ألا يكون على حساب الإنتاجية، التي من دونها نفرط في السعودة نفسها، ولذلك لا بد من إعادة النظر لسوق العمل، على أساس ألا يكون المعيار للحد من الوافدين من خلال الحد من الاستقدام أو وضع الرسوم أو سواهما من معالجات، وإنما ينبغي أن يكون من خلال معيار رفع الإنتاجية لدى العامل الوافد نفسه، ولا علاقة لذلك بما يتقاضاه هذا الوافد من مقابل مادي يفترض أن يكون حينئذ عالياً بالضرورة طالما هو مصدر إنتاجية عالية.. وشرط رفع الإنتاجية لدى العمالة الوافدة، يعني أنه لا بد أن يكون الاستقدام مشروعا بضرورة توافر الكفاءة المهارية والعلمية فيه، الأمر الذي يحقق تلقائيا حصراً في الكم الوافد باشتراط نوعيته، وحتما هكذا نوعية من الوافدين لن تكون أجورهم إلا مرتفعة، بل قد يكون بعضها مرتفعاً جداً، غير أن هذا الارتفاع في الأجور، يخفي وراءه السبيل الوحيد لرفع الإنتاجية، لسبب بديهي هو أن هذا الوافد يعلم مسبقاً أن شرط الإسهام برفع الإنتاجية من موقعه هو ضمانة بقائه واستمراره، وهو في الوقت ذاته ضمانة حصوله على امتياز التدريب من قِبل الجهة التي يعمل فيها قبل حرصه هو، لكونها تثابر على أن يظل معدل الإنتاجية متصاعداً فيها.. بمعنى معاملته فعلياً كقوة عمل خارج التصنيف لا بد أن تكون فائقة الإنتاجية بغض النظر عن كونه وافداً أو مواطناً. في ضوء هذا المنظور سيتخلص سوق العمل من نسبة كبيرة من هذه القوى العاملة غير المالكة لمهارة وتعليم نوعيين قادرين على تحقيق رفع الإنتاجية، وينفتح المجال أمام السعودة التي ستكون هي بذاتها خاضعة كالوافد لمعيار الإنتاجية بالتزام وطني، خاصة من قبل المنشآت، على أن تكرس كل الإمكانات لتأهيلها وتدريبها على ما هو نوعي وليس شكلياً.. وإلا فإن التفريط في معيار الإنتاجية وعدم العمل على خلقها سيقودنا إلى إعادة إنتاج المشكلة بتعقيد مالي واجتماعي أشد!
إنشرها