Author

هل أنصفت محكمة جدة العاملة المنزلية؟

|
قرأت في الصفحة الأولى في جريدة ''الحياة'' في 21/11/2012 (أي قبل ثلاثة أيام) خبر حكم المحكمة الإدارية في جدة بتعزير ''ضابط'' بسجنه عاما وتغريمه ألف ريال، إضافة إلى سجن اثنين من رجال الشرطة لمدة عام وغرامة ألف ريال. إلى هذا الحد والخبر يبدو عادياً، ولكن قد تشعر بخيبة أمل وتصاب بإحباط شديد، عندما تعلم طبيعة جريمة هذا المتهم ومقدار الضرر الذي لحق بالضحية، بل ستبرز في الذهن تساؤلات كثيرة، لعل أبرزها: هل الناس متساوون في الحقوق؟ وهل يُنظر في تعويضهم عن معاناتهم وآلامهم والضرر الذي يلحق بهم؟ ثم هل يُنظر إلى ''حرية الإنسان'' بنظرة متساوية بين بني البشر؟ وأخيراً، هل من السهولة سلب حرية الإنسان دون الاستناد إلى قانون أو نظام مهما كانت الملابسات والمبررات؟ بداية، إن الدين الإسلامي ينهى عن إيذاء الناس دون حق، كما ورد في الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة، فعلى سبيل المثال، قال تعالى: ''وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا'' (سورة النور، الآية 58). وفي الحديث ''إن الله يعذِّب الذين يعذِّبون الناس في الدنيا''. كما أن الإسلام دين عدل ومساواة بين البشر، وفي هذا المجال نتذكر قصة تحاكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مع يهودي إلى القضاء، فجاء حكم القاضي لمصلحة اليهودي دون اعتبار لمركزه كخليفة على المسلمين، مما أدى إلى إسلام هذا اليهودي لما رأى من عدالة الإسلام ومساواته بين الناس. أما نظام السجن والتوقيف في نص في إحدى مواده: ''لا يجوز إيداع أي إنسان في سجن أو في دار للتوقيف أو نقله أو إخلاء سبيله إلا بأمر كتابي صادر من السلطة المختصة''. القصة التي أثارتني لكتابة هذا المقال تدور حول توقيف عاملة منزلية لفترة طويلة في قسم الشرطة في جدة من دون إجراء نظامي، وذلك من خلال تزوير ''محضر'' رسمي يسوّغ بقاءها في الحجز، على الرغم من أن النظام يمنع إيقاف امرأة في المركز، ويتضمن المحضر المزور أن العاملة مجهولة الهوية وقد تم القبض عليها في الشارع على الرغم من أن كفيلتها هي من سلمتها إلى قسم الشرطة لترحيلها. جريمة يقشعر لها البدن، رجال مؤتمنون على حفظ الأمن وحماية الضعفاء من الظلم والجريمة والإيذاء يرتكبون جريمة بشعة، الأمر الذي يتنافى مع الدين والنظام وقيم المجتمع، بل يتعارض مع جميع الأعراف الإنسانية! ما الهدف من تزوير المحضر؟ وما الهدف من إيقاف المسكينة التي تركت أسرتها من أجل كسب لقمة العيش؟ ولماذا تحتجز في قسم الشرطة وليس سجن النساء؟ وأهم من ذلك أليس هناك من يتابع شؤون الموقوفين بشكل دوري؟ ولا يقل عن ذلك أهمية،كيف حدث هذا التواطؤ (أو عدم الاهتمام) من قبل العاملين في المركز، فكما يُقال: الساكت عن الحق شيطان أخرس؟! وما مقدار الأذى والألم النفسي الذي لحق بالضحية المسكينة؟ وما مقدار الألم والضرر الذي لحق بأسرتها التي تنتظر منها إرسال ما يسد الرمق ويكسو البدن ويغني عن السؤال؟ لماذا تأخر اكتشاف هذه الجريمة لفترة طويلة؟، ومما زاد الطين بلة أن الحكم جاء خفيفاً ومتناسياً جوانب مهمة. فعلى سبيل المثال، هل عقوبة السجن لسنة واحدة وغرامة ألف ريال تُعتبر مناسبة لسلب حرية إنسان بريء (دون حق) لمدة طويلة وربما التعدي على كرامته؟ وهل سجن سنة واحدة وغرامة ألف ريال عقوبة تتناسب مع قطع دخل إنسان فقير وتجويع أسرته التي تنتظر ما يُرسل إليها من هذا العائل الذي قطع آلاف الأميال طلباً للرزق؟ ثم لماذا تناسى القاضي تعويض المجني عليه وأهمل مسألة رد اعتباره؟ وهل يمكن أن يأمن المسلمون على أنفسهم وأعراضهم من هؤلاء عندما يعودون للعمل بعد سنة؟ ولو وضعت نفسك في مكان ذوي هذه المسكينة، فماذا سيكون شعورك وأنت تقرأ هذا الحكم المخفف؟! وأخيراً أقول للقاضي الكريم، هل سترضى بهذا الحكم لو كنت مكانها واحتجزت لمدة طويلة دون وجه حق؟ أتحدث عن هؤلاء المدانين في هذه القضية، فأقول كيف يمكن أن يؤتمن هؤلاء الرجال على أعراض المسلمين وأموالهم وحرياتهم؟ وكذلك معظم (أو جميع) العاملين في المركز الذين من الصعوبة أن يخفى عليهم وجود هذه المسكينة في الحجز في مركز الشرطة لفترة طويلة! لا شك أن المسؤولين في وزارة الداخلية يحاربون هذه الجرائم ويمقتون هذه التصرفات من جميع أفراد المجتمع عموماً ومن قبل رجال الأمن خصوصاً. أرجو الله أن يوفقهم في متابعة حالات مماثلة ربما تكون موجودة في مراكز أخرى ولم تكتشف بعد. وختاماً، أدعو الله ألا تصرفهم كثرة المشاغل والقضايا عن إنصاف الضعفاء وأخذ حقهم من الظالمين، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء.
إنشرها