Author

وزارة العمل أمام اختبار صعب

|
منذ زمن ورجال الأعمال في المملكة يتمتعون بتسهيلات كبيرة تقدمها الدولة لهم، من قروض زراعية وصناعية ميسرة، وعقود كبيرة مع الحكومة، وأسعار خدمات مدعومة، وضرائب منخفضة مقارنة بالدول الأخرى. ومع كل ذلك ظلت مساهمة القطاع الخاص في توفير فرص العمل للمواطنين منخفضة جدا، بسبب التسهيلات والسيل العارم من العمالة الوافدة الرخيصة. كثير من رجال الأعمال في المملكة أصبح لديهم إدمان مزمن على العامل الأجنبي وفي مقال سابق أطلقت عليه (كوكايين التأشيرة)، لما تجلبه هذه العمالة –حسب حساباتهم المنقوصة- من ربح كبير جدا لهؤلاء مقارنة بتوظيف المواطن. لكن ما قصرت عنه نظرة كثير من رجال الأعمال من فريق (الممانعة، والتسمية للزميل خالد السهيل) ما يمكن أن تؤدي إليه هذه السياسة على المدى الطويل من تشوهات في الاقتصاد، وآثار اجتماعية وأمنية بدأنا نرى الكثير من آثارها حاليا. النظرية الاقتصادية ببساطة تشير إلى أن القرار الاقتصادي الرشيد يعني أن رجل الأعمال سيحاول توظيف عوامل الإنتاج الأقل تكلفة للحصول على أكبر عائد إنتاجي، وبالتالي أكبر ربح ممكن. والمضي قدما في وضع تقل فيه تكلفة العامل الأجنبي بشكل كبير عن تكلفة العامل المواطن سيعني استمرار الاعتماد على العامل الأجنبي، فإما أن ترتفع أجور العامل الأجنبي لتتساوى تنافسيته مع العامل المواطن أو العكس صحيح. الأخير أثبت عدم إمكانية حدوثه على الإطلاق، وذلك لعدم تناسب ذلك مع تكاليف المعيشة للمواطن السعودي، وعدم إمكانية توفير عيش كريم لمواطن يستحق أن يعيش بكرامة على أرضه. في المقابل، فإن قياس تكلفة المعيشة بأجر العامل الأجنبي هو أمر غير عادل، بالنظر إلى أن تكاليف العامل الأجنبي تقاس بتكاليف معيشته في بلده وليس في المملكة. قرار وزارة العمل الأخير بفرض رسوم قدرها 200 ريال شهريا على كل مؤسسة يزيد فيها عدد العاملين الوافدين على المواطنين على كل عامل يزيد عن المتوسط لآخر 13 أسبوعا، هو قرار يصب في تصحيح جزئي وليس كاملا لهذا الوضع المشوه في سوق العمل لدينا. العمل حق رئيس للمواطن وليس لأحد أن يمنح هذا الحق نيابة عنه لأي شخص غير مواطن، إلا بوضع التدابير التي تحمي هذا المواطن وتحافظ على مصالحه. ولأكثر من 50 عاما وحق هذا المواطن في العمل في وطنه ممنوح لأشخاص غير مواطنين ولمصلحة فئة محدودة من رجال الأعمال التي أدمنت الاقتيات على الريع والتربح من خلال توظيف غير المواطن. في المقابل، رجال الأعمال أنفسهم (من حزب الممانعة) قامت بشن حملة شرسة على الاستثمار الأجنبي على قاعدة أن ابن البلد أحق بالاستثمار فيه، في تناقض مبادئ صارخ وغير مسبوق. أصوات الكثير من رجال الأعمال ارتفعت حينا بالاعتراض، وحينا آخر بالتهديد. وفي حين نتفهم فعلا حق كل مواطن –سواء رجل أعمال أو غيره– في الاعتراض، إلا أنه من غير المقبول أبدا من أي رجل أعمال، خصوصا إذا كان يمثل غرفة تجارية استخدام لغة التهديد سواء برفع الأسعار أو بالانتقال باستثماراتهم إلى دول أخرى. وهنا أقف عند النقطة الأخيرة، وهي الانتقال باستثماراتهم إلى دول أخرى، لأذكر أولا أن المملكة تتبع سياسة منفتحة جدا في عملية تحويل الأموال إلى الخارج، كما أنها من أكثر الدول تنافسية من حيث الضرائب، وأسعار الخدمات سواء الكهرباء أو الوقود أو غيرها. والمتطلع إلى الوضع الاقتصادي العالمي من حولنا، سيعرف أن المملكة صنفت قبل أيام فقط على رأس قائمة دول مجموعة العشرين من حيث الرؤية الاقتصادية المستقبلية، في حين تصارع دول أخرى مشكلات مالية كبيرة، ولن تتوانى في وضع المزيد من الضرائب لتعديل أوضاعها المالية. من المهم لنجاح أي قرار أو أي سياسة وضعها موضع التنفيذ بشكل كامل، ووزارة العمل هنا أمام اختبار صعب جدا، فإما المضي قدما في تحقيق هدف زيادة توظيف المواطن، ووضع هذا القرار موضع التنفيذ، أو الانصياع لرغبة فئة من المجتمع على حساب الغالبية الكبرى، والمصلحة العامة. ولا ننسى أن مسار الإصلاح صعب جدا، ومؤلم في أحيان كثيرة، وعلى الجميع: حكومة، مواطنين، ومقيمين على هذه الأرض، تحمل هذا الألم بما يحقق الأهداف المرسومة للإصلاح الاقتصادي الشامل التي خطتها لنا قيادتنا.
إنشرها