Author

الشهادات المزورة .. حان وقت الحساب

|
واقع الشهادات الوهمية والمزيفة وغير المعترف بها في المملكة يؤكد أن هناك تسويقا ضخما لتلك الشهادات وصل إلى حد شن هجمات من قبل جامعات من الخارج أصابها الإفلاس، فبحثت عن مشترين لشهاداتها وقدمت لهم تسهيلات في الشراء بلغ حد التقسيط وتوفير عناء السفر عن طريق مراسلة الزبون في بلده إلكترونيا، وهكذا وجد لدينا عدد من زبائن تلك الجامعات المفلسة تعليميا وأخلاقيا وقانونيا، واستطاعت أن تحل معضلتها المالية بعد أن باعت مصداقيتها وسهلت لزبائنها الحصول على فرص عمل سواء في القطاع العام أو الخاص. أما من يدفع فاتورة هذا الغش والتحايل فمن المؤكد أن هناك ضحايا ومتضررين سواء كانوا أفرادا أم جهات، والأخطر أن بعض تلك الشهادات مهنية تتعلق بممارسة العمل الطبي والصيدلة وغير ذلك من المهن المرتبطة بها حياة الناس، لذا فإن تلك الأخطاء الطبية الفادحة التي حصلت وتحصل في المستشفيات والعيادات يقف خلفها كثير من أولئك الدخلاء في كل عمل سوقت فيه تلك الجامعات والمراكز والمعاهد شهاداتها، ولا يقل خطورة عن ذلك سائر التخصصات كالهندسة والمحاماة، إذ قد يقع الضرر مضاعفا ليتجاوز حدود الأفراد ويصيب نشاطا كاملا في مقتل. إن تحرك مجلس الشورى ووزارة التعليم العالي بدأ بعد أن تحول الوضع إلى ظاهرة اكتسحت المجتمع، فلا تكاد تجد إلا القليل من حملة شهادات الدكتوراه المعترف بها، وتسمع من هذا وذاك أنه حاصل على الشهادة العالمية من ذلك البلد أو تلك الدولة، بما يثير استغراب البسطاء، فكيف بمن عرفوا معادلة الشهادات وتوثيقها والاعتراف بها، لذا فإن هذا التحرك الرسمي قد يكون متأخرا، إذ الواجب أن توجد آلية يتم من خلالها الرجوع إلى وزارة التعليم العالي للتأكد من كل شهادة صادرة من خارج المملكة، فالجهات التي وظفت أولئك الأشخاص فتحت الباب على مصراعيه، بل اعترفت ضمنيا بصحة شهاداتهم. كما على كل جهة أن تتحقق من حملة الشهادات العليا أو التخصصية الجامعية مع وزارة التعليم العالي والتحري بنفسها عن مصدر الشهادة، فقد حان أوان كشف الحقيقة والتشهير بالزائفين والحساب والعقاب أيضا. إن كثيرا من مرتادي تلك الجامعات فشلوا مع أنفسهم ولم يجدوا العزيمة ولا التفرغ ولا القدرة على تحصيل العلم فتحولوا إلى التجمل بالشهادات، ظناً منهم أن ذلك التغرير ينطلي على المجتمع، وهم مخطئون واهمون، فالمستوى التعليمي أصبح متقارباً، ما يمكن أي شخص عادي أن يحكم على حامل الدكتوراة بالعلم أو بالجهل، بل الحكم من وراء ذلك على مصداقية شهادته ونزاهتها من الزيف. لقد فات على الكثيرين أن هناك فرقاً بين الأمية والجهل، فالأمي من لا يحسن القراءة والكتابة، لكنه ليس بجاهل بالضرورة، فالجاهل هو من لا يحسن تقدير الأمور. ولعل كل من حمل شهادة غير نزيهة جاهل بما يتطلبه العلم من احترام للعلم وللآخرين وللذات، وهذا آخر شيء يفكر فيه أولئك وصدق الحق تبارك وتعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب". إن وزارة التعليم العالي وكذلك وزارة الصحة بالذات مطالبة اليوم قبل الغد بممارسة دور رقابي صارم لحماية المجتمع ولتنبيهه والتحذير من انخداع البعض من المواطنين في سعيهم المحموم للحصول على شهادات عالية من خارج المملكة، لأنهم في الحقيقة يقعون ضحية احتيال مادي يهدف إلى الحصول منهم على المقابل المالي وإعطائهم شهادات غير معترف بها قانوناً لدى الجهات الرسمية ولا تحظى باحترام المجتمع بعد أن أصبح مكشوفاً أن أولئك المخدوعين يتجملون بشهادات مزيفة لا تحظى بأي تقدير، لكن ما هو أسوأ أن يمارس أولئك الحاصلون على شهادات غير معترف بها أو مزورة الاحتيال والخداع للحصول على منافع وظيفية من وراء تلك الشهادات، وهو ما يعتبر أمراً ليس مخلاً باحترام الإنسان لذاته فقط، بل تعديا على حرمة الوطن في أعز مجالاته وهو التعليم مصدر التحضر والتقدم.
إنشرها