Author

الدعم الحكومي .. دعم للتاجر أم للمواطن؟

|
الغلاء مفردة لصيقة بحياتنا اليومية، وشهيرة جداً، فهي مرادفة للمأكل والمشرب والمسكن والزواج والأولاد والسلع وزد في القائمة ما تشاء، ومن فرط شهرتها، أن مجلساً لو مر من غير الحديث عنها، أو الإشارة إلى أبعادها كان مجلساً غير تام، وفي ''فاكهته'' نقص كبير يصعب تعويضه بغيرها! وربما اختلفت وجهات أنظارنا شتى في موضوعات الحياة، لكن للغلاء فضل في توحيدها، فالجميع ــــ أقصد جميع طبقات المجتمع ـــ أتفق أننا نعيش حالاً من الغلاء الذي لا يطاق، فقبل أيام قليلة مرت علينا أزمة الدجاج ومن قبلها الرز، والسكن ــــ بطبيعة الحال ــــ أزمة ملازمة لا موسمية ولا مؤقتة، وكأنه لا يوجد لها حل، ونسأل الله أن يلطف بنا مما هو قادم، فالأفق يشير بوضوح نحو الماء والطاقة. إن الدعم الحكومي للعديد من البرامج التي تهدف إلى التخفيف عن كاهل المواطن يذهب إلى التاجر ولا يستفيد منه المواطن، على سبيل المثال لا الحصر، نعلم أن شركات الألبان مدعومة في المملكة، وتصدر جزءاً من إنتاجها للخارج، لكن في هذه الحال، هل هذا دعم للمواطن أم للتاجر؟ وهكذا شركات الأعلاف وشركات الأسمنت والعديد من الصناعات، تصب في المصب نفسه، بلا حد يحدها، أو مانع يوقفها، أو إجراء يوضحها. إن الصورة الأمثل للدعم تكون عادة مبالغ نقدية تعطى للمواطن مقابل إيقاف ــــ أو تخفيض ــــ الدعم بمقدار لا يقل عن 50 في المائة عن التاجر، وتستثنى منها الصناعات الناشئة أو الصناعات ذات البعد الاستراتيجي، ويجب أن يكون لهذا الدعم فترة معينة وبعدها يتوقف، وإذا لم يتوقف تكون تجارة غير مجدية من الناحية الاقتصادية. ولأن تشخيص الخلل من شأنه تيسير الحلول، فقد تكون معضلة غلاء الأسعار للمواد الغذائية ناجمة عن تكلفة عالية لإيجار المحال، ولذلك قد يكون من المناسب اللجوء إلى ''سوق'' الحي كآلية للحل، فعند وضع مخطط جديد يجب أن تفرض البلديات على ملاك هذه المخططات إنشاء سوق للحي في منتصف كل حي يحتوي على جميع الخدمات التي قد يحتاج إليها المواطن، وتكون ملكية هذه السوق للبلديات وتحت إشراف المجلس البلدي، أو أن تكون هناك إدارة منتخبة تدير هذه السوق، ويتم تأجير السوق بأسعار رمزية تغطي تكلفة صيانة المكان فقط، وبشرط أن تكون أسعار المواد الغذائية وغيرها من احتياجات المواطن بسعر أقل من السوق العادية بما لا يقل عن 30 في المائة، والأفضل أن تكون جمعيات تعاونية يستفيد منها الجميع، وبهذه الطريق خفضنا تكلفة الإيجار إلى أكثر من 80 في المائة، وقمنا بمشاركة المواطن في الأرباح، وأتمنى ــــ زيادة في الفائدة ــــ من البلديات أن تستغني عن بعض حدائقها في بعض الأحياء وتحولها إلى أسواق مركزية تخدم الأحياء كما هي الحال في الدول المجاورة. أما بخصوص الشركات التي تتلقى دعماً من الحكومة، لا بد أن نسألها: من أعطاك الحق في تصدير الإنتاج المدعوم للمواطن السعودي؟ وأرجو من وزارة التجارة أن تشدد الرقابة على هذه الشركات حتى لا يذهب الدعم الحكومي الرحيم لغير أهله. ومن المشكلات التي نعانيها بسبب الغلاء غياب الرقيب أو إن صح التعبير ضعف الرقابة، فنحن نسمع كثيراً عما يسمى حماية المستهلك، ولكن ما نراه هو حماية التاجر، وهذا ليس بسبب تخاذل الجهة المسؤولة بقدر ما هو قلة المراقبين وتزاحم الأشغال. ولهذا السبب أرى أنه يجب أن نفصل حماية المستهلك عن وزارة التجارة، وتكون هيئة مستقلة ولها صلاحيات، لأنه من الصعب بمكان أن يكون وزير التجارة هو المشرع لتسهيل أمور التجار ويشكر على هذا. نحن نريد أن نشكر وزير التجارة الذي حرك ملف المساهمات العقارية التي علقت منذ سنوات أموال مواطنين، لكننا نريد أيضا سلطة تدافع عن حقوق المستهلكين التي تشمل جميع هموم المواطن من المسكن والمشرب وتحد من جشع بعض التجار هداهم الله، لكي يكون الحق في نصابه، والعدل في بابه، والسلام.
إنشرها