إدارة التربية والتعميم

فزعت عندما قرأت خبراً يقول إن إدارة التربية والتعليم في المنطقة الشرقية عممت على مدارس المنطقة كافة بعدم تحميل أولياء أمور الطلبة أي مبالغ مالية لغرض تزيين المدارس. السبب هو أن واقع المدارس يجعلني أعلن – وبكل ثقة – أن هذا التعميم سيجعلني ومن هم مثلي من أولياء الأمور ندفع المزيد من الإتاوة مقابل تزيين المدارس.
يمكن أن نسمي هذه الإدارة ''إدارة التربية والتعميم''. التعميم هو أشهر ما اشتهرت به هي وزميلاتها في مختلف مناطق المملكة، ففي كل يوم تعميم وبين كل تعميم وتعميم يصدر تعميم، تعاميم تكبل المعلم والطالب وأولياء الأمور. اللبس بتعميم، ومنع اللبس بتعميم. الحضور بتعميم، والخروج بتعميم. مدة الحصة بتعميم، ومدة الفسحة بتعميم. ما يحمله المعلم إلى الفصل بتعميم، وما يخرج به من الفصل بتعميم. وزن حقيبة الطالب بتعميم، وشكل علبة الوجبة بتعميم. أستطيع أن أحصي ما لا يقل عن 100 تعميم توزع كل عام على المدارس. قد يكون السبب إخلاء المسؤولية، أو التوضيح، أو التنظيم. لكن الإمعان في الشيء يفقده قيمته، بل يدعو المعنيين إلى محاولة كسره، خصوصاً إذا لم تكن هناك قناعة به.
يعرف الجميع أن الضرب ممنوع وبـ ''تعاميم'' مشددة من الوزارة، لكننا شاهدنا مقاطع يجلد فيها التلاميذ بطريقة الكتاتيب التي مر على اختفائها من المملكة أكثر من 70 سنة، فمن أين أتى هؤلاء المعلمون؟ وكيف يقبلون على أنفسهم أن يؤدوا إلى ندب نفسي وكراهية سيحملها الطالب للعملية التعليمية برمتها. ثم يأتي من يقول لماذا يتصرف شبابنا بشكل غير حضاري؟ أظن أن تحدي التعميم الذي حدد أن العقاب سيكون شديداً جعل المعلم يحاول أن يثبت أن التعميم ما هو إلا حبر على ورق.
يعلم من أصدر التعميم الذي يحدد نسبة وزن الحقيبة المدرسية إلى وزن الطالب أنه غير منطقي. فهذه الحقيبة تحمل الكتب التي ما زالت الوزارة غير قادرة على استبدالها بأقراص ممغنطة، والكراسات التي لم تستبدل بأجهزة آيباد أو لابتوب، وبعضاً من الغذاء والشراب لمن يخافون على أطفالهم من المقاصف وما فيها، ومستلزمات أخرى يحتاج إليها الطالب في يومه المدرسي. هذا التعميم ليس له والٍ، بمعنى أن التعميم يشترط أن نعرف وزن الطالب ثم نزن الحقيبة لنعرف العلاقة النسبية بين الاثنين. تعميم غريب كان الأولى منه إيجاد حلول بديلة منها خزانة لكل طالب يحفظ فيها حاجياتهن بدل أن يحملها ذهاباً وإياباً. أتوقع أن تطالب المدرسة الطلبة بالمزيد من الحصص ومعها المزيد من الكتب والمستلزمات لمجرد كسر التعميم.
كلنا نتذكر التعميم الذي صدر بتوحيد منشآت التربية والتعليم في المناطق. هذا التعميم الذي كان سيؤدي إلى تغيير منشآت مستلمة حديثاً. هذا التعميم من التعاميم المستعجلة التي اكتشف مبدعها أنه سيكلف الوزارة مبالغ طائلة يمكن الاستفادة منها في أماكن أخرى، فجاء التعميم المعاكس بسرعة لإيقاف أي عقود وقعت لهذا الغرض. يبدو أن وحدات التخطيط في الوزارة ليست بالمستوى المأمول ولا تسهم في القرارات الاستراتيجية، يعيدنا هذا إلى إمكانية توحيد المنشآت الجديدة أو التي تقع تحت بند الترميم، وهو ما اكتشفته الوزارة بعد حين.
إشكالية تحدي التعاميم موجودة بسبب كثرتها ومواضيعها التي قد تكون غير مهمة. إن إرسال التعميم لكل الجهات دون التنبه لعلاقتها بموضوع التعميم ما هو إلا تعميق للبيروقراطية وإشغال للناس عن دورهم المهم. يزيد الأمر غرابة أن يقوم مدير المدرسة بإلزام جميع المعلمين بتوقيع العلم بالتعميم وفهم محتواه. لا أعترض على من يهمهم التعميم أو يحكم عملهم، لكن صدور تعاميم تتحدث عن عقوبة التحرش الجنسي واستبعاد المعلم عندما يثبت عليه ذلك ليس في مكانه. هذه الأمور مرفوضة ويعاقب عليها القانون ويمكن أن تكون ضمن مناهج التربية التي يدرسها المعلم في الجامعة وليس هناك ما يستدعي توزيعها دورياً وكأننا ندير سجنا أو أماكن غير أخلاقية.
نالت الكثير من التعاميم كماً من التهكم والسخرية في مواقع ومنتديات ومدارس المملكة. تعاميم على شاكلة القلم الأحمر، وتعميم إصابة الكثير من المعلمات بأمراض نفسية، وتعميم تحقيق رغبة 95 في المائة من المعلمات و80 في المائة من المعلمين المطالبين بالنقل، وهو مضحك مبك.
أطالب الإدارات بالتوقف عن إصدار التعاميم، فهي إما تحملنا مبالغ إضافية أو تحمل أبناءنا وبناتنا أوزاناً أكثر أو تسيء للإدارة نفسها، ويجعلها مادة للسخرية والتندر. أطالب كل إدارات التربية والتعليم بأن تلتفت لدورها التربوي وتستفيد من رحلات مسؤوليها المكوكية إلى كل دول العالم في تطبيق التجارب الناجحة التي تضمن الاهتمام بالعلم وغرسه في قلوب وعقول الطلاب. أطالب الوزارة بأن تثق بمعلميها ومعلماتها وتسهم في تحويلهم إلى مراجع فكرية وسلوكية، إضافة إلى العلم الذي نتوقع أن يقدموه لأبنائنا وبناتنا. كما أطالب بأن تكون هناك رقابة حقيقية على مخرجات التعليم ومدى تواؤمها مع متطلبات التعليم العالي والمهني والحياة الاجتماعية.
أطالب كذلك بأن تستبدل التعاميم بالتدريب والتأهيل والتنشيط الذهني والخدمات للمعلمين والمعلمات، فالمعلم هو من يصنع أجيال المستقبل وله على الوزارة حقوق لا تأتي من خلال التعاميم والأقلام الملونة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي