Author

يوم الوطن.. فرصة للتأمل

|
أصبحت إجازة اليوم الوطني تخيف جميع المواطنين بسبب التفسير الخاطئ للكثير من الشباب لمفهوم يوم الوطن. يوم الوطن بمعانيه الكبار يوم نعيد فيه النظر للماضي ونستشرف المستقبل. نقيم الواقع ونتوقف احتراماً لرجال سعوا لتوحيد كيان بهذه العظمة وهذا الحجم وهذا القدر الديني والاقتصادي والسياسي. نستذكر فيه حياتنا الأولى عندما كان قوت اليوم صعب المنال، وكان أمن البيت ميزة يختص بها الله من يشاء. ماض كان فيه "الحنشل" وقطاع الطرق هاجس كل من يعبر هذه الصحراء الشاسعة. زمان كان فيه أمل الكرامة للمواطن يقاومه الفقر والعوز وضيق ذات اليد. تجاوزنا تلك الأيام، وعاش الوطن طفرة غير مسبوقة. رأينا مشاريع لم نكن نحلم بها. سابقت الكهرباء الطرق والمدارس والمستشفيات إلى المواطن في كل مكان. لا أبالغ إن قلت إن المملكة في فترة التسعينيات الهجرية قفزت قفزات تنموية لا يمكن أن نقارنها بأي مرحلة من مراحل حياتها. كان هذا نتيجة الوفرة والمحاسبة والإخلاص في العمل. فترة كان فيها كل وزير ينافس زميله في صناعة المستقبل المشرق، فترة كان الجميع فيها يتسمون بجدية الأداء والتفوق والتميز. مرت بعد ذلك مرحلتان سيطرت فيهما الصعوبات المالية، بدأت أولاهما مع انتهاء الطفرة الأولى، التي توقع معظم المتفائلين أنها ستكون الأولى والأخيرة. دخلت المملكة في الانكماش, وكان سببه الاعتماد على النفط كمصدر أساسي، ووحيد للدخل. طالب كل المحللين الاقتصاديين الدولة أن تأخذ حيطتها وتتحول نحو الاستثمار في مجالات تغني عن الاعتماد على النفط والعيش على تقلباته القاتلة. حتى الخطة الخمسية الأولى للدولة كان من أهم أولوياتها تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل. لكن هذه العبارة استمرت في الظهور في كل خطة، دون أن تترجم لواقع عملي، بل ارتفع الاعتماد على النفط في إيرادات الدولة ومن ثم الناتج الإجمالي الوطني. استمرت الضغوط الاقتصادية مع إدخال الزراعة كأولوية في دولة 90 في المائة من أراضيها صحراوية، فأنفقت الدولة مئات المليارات في دعم عملية استنزاف المياه الجوفية على منتجات لا يمكن أن تكون مصدراً مستديماً للدخل، ويستمر الدعم حتى اليوم كاستثمار خاسر وضاغط على ميزانيات الدولة. وأضاف تركيز الصناعة الوطنية على منتجات النفط والغاز التي يحصل عليها الجميع بأسعار تفضيلية ومع ذلك لم تحقق ما توقعته الدولة منها. دخلت المملكة أزمة في بداية التسعينيات الميلادية مع أزمة احتلال الكويت، بينما استمرت الخزانة تعاني تبعات فترة الاحتلال وانخفاض سعر النفط، ثم بدأت طفرة كبرى لم يتوقعها أحد أواخر العقد الماضي. عادت أسعار النفط للارتفاع. ومعها عاد الانتعاش للميزانية العامة للدولة وبدأت الدولة في الإنفاق من جديد. هذه الطفرة التي نعيشها اليوم أعظم دون شك من الطفرة الأولى. تبقى المشكلة العظمى، التي لا بد أن نتصرف حيالها، وهي استمرار النفط كعنصر الإيرادات الأساسي في ميزانية الدولة. صدر تقرير أخيرا يتحدث عن احتمال استيراد المملكة النفط خلال فترة لا تتعدى 2030. إن توزيع مصادر الدخل لا بد أن يكون أولوية قصوى لا تقبل التأخير لأن هناك إمكانية للعمل اليوم بوجود الوفرة المالية. الاستثمار الحكومي يجب أن يكون مبنياً على معلومات اقتصادية وبناء على دراسات وأبحاث لا علاقة لها بالسياسة. التخصيص يجب أن يطول كل شيء، ولنا في نهضة دول مثل ماليزيا وتركيا والبرازيل أمثلة واضحة. يجب أن ندعم عمليات المحاسبة والشفافية والحوكمة, وإعطاء الجهات الرقابية حرية أكبر ومجالا أوسع لتنفيذ أعمالها، وتطبيق أنظمة الدولة التي تكافئ المجتهد وتعاقب المسيء. اليوم الوطني - في رأيي - فرصة للمكوث في البيت والبعد عن الزحمات والأزمات ومراجعة تاريخ دولة عظيمة، ومحاولة المساهمة في رفعة وعز وحماية وطننا الغالي، وهو فرصة لمتخذي القرار للعودة والتفكير في كيف نزيده تألقا ونسترجع سير قادة هذه البلاد الأفذاذ, وأولهم وأهمهم موحد الكيان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله، نستغل هذه الفرصة التاريخية التي لم تتح لغيرنا.. ولنسارع للمجد والعلياء.
إنشرها