Author

سلة المستهلك ليست واقعية

|
406 سلع وخدمات استهلاكية هي إجمالي عدد السلع والخدمات الاستهلاكية التي تمثل مكونات سلة المستهلك في السعودية. تؤخذ سلة المستهلك وبشكل شهري أسعار هذه الـ 406 سلع وخدمة استهلاكية في 16 مدينة سعودية لتخرج بمعدل سعر هذه السلعة أو الخدمة الاستهلاكية في المدن الـ 16. يضاف المعدل الناتج إلى معادلة حسابية ليتم من خلالها حساب قيمة سلة المستهلة. ويكون الناتج رقم صحيح يفوق المائة ويعطى تعبير نقطة لوصف وحدة الرقم. ويسمى الناتج الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة لجميع السكان. يحمل هذا الرقم أهمية كبيرة كونه يدخل بشكل رئيس في قياس معدل التضخم. وعلى الرغم من حساسيته نحو تكلفة المعيشة، إلا أن طبيعة السلع والخدمات الاستهلاكية الـ 406 والمكونة لسلة المستهلك تثير علامات استفهام حول مدى واقعية سلة المستهلك في تحديد الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة ناهيك عن قياس معدل التضخم. والدوافع خلف علامات الاستفهام عديدة من أهمها مدى خضوع السلع والخدمات الاستهلاكية المشمولة في القياس للدعم الحكومي، واقتصار قياس السلع والخدمات الاستهلاكية على المدن السعودية الـ 16 ذاتها منذ تأسيس الرقم في 1999 وحتى اليوم، ومدى مراعاة حجم انتشار نوعية معينة من ذات السلعة والخدمة الاستهلاكية بين السكان. هدفت دراسة إلى الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال مراقبة مدى تفاعل معدل التضخم مع التغيرات في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية الداخلة في حساب سلة المستهلك في 92 دولة متنوع اقتصادها بين اقتصادات متقدمة وناشئة وعلى مدى عشرة أعوام خلال الفترة 2001 ـــ 2010. سعت الدراسة من خلال ذلك إلى التعرف على مدى واقعية أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية في تحديد معدل التضخم. نشرت الدراسة مطلع الأسبوع الحالي في دوريات صندوق النقد الدولي تحت عنوان ''تفاعل التضخم مع صدمات التغيّر في أسعار السلع الاستهلاكية: كيف تختلف الدول ولماذا؟''. اعتمدت الدراسة على قياس حجم تأثر الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة في هذه الدول الـ 92 بأزمات الغذاء العالمية التي حدثت خلال العقد الماضي في أسعار الأرز والوقود والقمح مع الأخذ في الحسبان تباين طبيعة الدول الـ 92 بين مصدرة أو مستوردة لهذه السلع الاستهلاكية. حملت نتائج الدراسة العديد من الفوائد الجديرة بالتناول هنا كون عينة الدراسة شملت سلة المستهلك ومكوناتها المختلفة في السعودية مما يعطي أداة مقارنة لطبيعة سلة المستهلك في المملكة ومدى تأثرها بأزمات الغذاء العالمية مع ما تتأثر به مثيلاتها في باقي الدول الـ 91 علاوة على النظرة التحليلية للعلاقة بين أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية ومعدل التضخم. ومن الأهمية بمكان قبل النظر في نتائج الدراسة المرور على سلة المستهلك في المملكة للتعريف بمكوناتها وطبيعة السلع والخدمات الاستهلاكية المكونة لها. تتوزع السلع والخدمات الاستهلاكية الـ 406 المكونة لسهلة المستهلك على ثمانية بنود استهلاك رئيسة، هي بند ''الترميم والإيجار والوقود والمياه''، وبند ''الأطعمة والمشروبات''، وبند ''التأثيث المنزلي''، وبند ''الرعاية الطبية''، وبند ''التعليم والترويح''، وبند ''النقل والاتصالات''، وبند ''الأقمشة والملابس والأحذية''، وبند ''سلع وخدمات أخرى''. تجمع أسعار هذه السلع والخدمات الاستهلاكية من 16 مدينة سعودية بشكل شهري بهدف الحصول على معدل تمثيلي شهري للأسعار على مستوى المملكة. وتتولى مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات منذ نهاية السبعينيات الميلادية مهمة جمع المعلومات وتطوير محتويات سلة المستهلك وآليات قياسها ونشر نتائجها بشكل شهري على موقع المصلحة الإلكتروني مطلع كل شهر ميلادي. تشير السلسلة الزمنية للرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة لجميع السكان من بداية 1999 إلى نهاية آب (أغسطس) الماضي إلى أن المتوسط السنوي للرقم القياسي لتكاليف المعيشة لجميع السكان بلغ أدنى مستوى خلال شهري آب (أغسطس) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2001 عندما سجل 97.5 نقطة في كلا الشهرين، بينما بلغ أعلى مستوى الشهر الماضي بتسجيله مستوى 141.7 نقطة. بمعنى آخر، أن تكلفة المعيشة قد تضاعفت بمقدار 45 في المائة منذ منتصف 2001 وحتى اليوم وبمعدل نمو سنوي يفوق 4 في المائة. كما يرصد تقرير التضخم ربع السنوي الصادر من مؤسسة النقد العربي السعودي ذات التطورات بمنظور ربع سنوي إلى آخر 20 ربع سنة ماضي. تدعونا هذه القراءة الشمولية لتطورات الرقم القياسي العام لتكلفة المعيشة وبنود سلة المستهلك وانعكاساتها على معدل التضخم، إلى النظر في نتائج الدراسة وما حملته من فوائد جديرة بالتناول. من أهم نتائج الدراسة أن الاقتصادات التي يكون وزن الوقود والأطعمة والمشروبات في سلة المستهلك لديها وزن كبير مقارنة بأوزان السلع والخدمات الاستهلاكية الأخرى تكون عرضة للتأثر بأزمات الغذاء العالمية، وبالتالي عرضة لزيادة معدل التضخم بشكل أكبر من مثيلاتها من الاقتصادات الأخرى التي تحوي أوزانا أقل للوقود والأطعمة والمشروبات. وقد اتضح ذلك جلياً خلال أزمة أسعار الأرز خلال 2008 عندما تأثر معدل التضخم في الاقتصادات المستوردة للنفط بشكل أقل من مثيلاته في الدول المصدرة للنفط عطفاً على تبعيات أسعار نقل الوقود من الدول المصدرة للدول المستوردة وما قابل ذلك من ارتفاع تكلفة إنتاج الأرز في الدول المصدرة له، وبالتالي أسعاره على الدول المستوردة له. وعند النظر في سلة المستهلك في المملكة نجد أن الوقود والأطعمة والمشروبات تشكل أوزانا ليست بالقليلة من إجمالي وزن السلة مما يتوافق مع نتيجة الدراسة في تعرض قيمة السلة للتأثر بأسعار ارتفاع السلع الاستهلاكية من الدول المصدرة. وإذا أضفنا إلى ما تقدم من أن الدعم الحكومي لأسعار الوقود وبعض الأطعمة والمشروبات في السوق السعودية قد عاصر تباينا في حجم الدعم الحكومي المقدم لها خلال العقد الماضي مع ثبات أوزانها في سلة المستهلك، فإن ذلك يدفعنا إلى التساؤل حول كفاءة سلة المستهلك بمنهجيتها الحالية في إعطاء رقم قياسي عام لتكاليف المعيشة يكون أكثر قرباً للواقع. يدعونا ذلك إلى التأكيد على أهمية إعادة النظر في أوزان مكونات سلة المستهلك في المملكة بما يضمن مراعاة تحييد حجم الدعم الحكومي لأسعار الوقود والأطعمة والمشروبات من حسابات سلة المستهلك للوصول إلى رقم قياسي عام لتكاليف المعيشة يكون أكثر قرباً للواقع وأكثر جودة في قياس معدل التضخم.
إنشرها