السعودية تستورد النفط.. مبالغة أم تحذير ضروري؟

لعلنا فوجئنا بردة الفعل الكبيرة، محليًّا ودوليًّا، للتقرير الذي صدر الأسبوع الماضي عن مجموعة ''سيتي جروب'' المالية، والذي ذكر بأن السعودية ستدخل نادي المستوردين للنفط بحلول عام (2030م). وذلك التقرير لم يكن التقرير الأول الذي يذكر هذه النتيجة، بل سبقته تقارير ودراسات أشارت إلى توقُّع حدوث تآكل تدريجي في صادراتنا النفطية عبر السنوات القادمة، نتيجة تنامي معدلات الاستهلاك المحلي من النفط، في قطاع النقل وتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وإن لم تنصّ صراحة على تحول السعودية إلى مستورد للنفط. وقد سبق تقرير سيتي جروب دراسة صدرت في شهر يونيو الماضي عن المعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن، والمعروف بـ Chatham House، وكانت أكثر دقة وتفصيلا حول استهلاك الطاقة في المملكة، والتدهور التدريجي المنتظر لصادراتها من النفط، نتيجة هذه المعدلات المرتفعة من الاستهلاك المحلي من الطاقة. وأوضحت تلك الدراسة في طياتها أنَّ التاريخ المتوقع لتوقف الصادرات النفطية السعودية، وتحوُّل المملكة إلى بلد مستورد للنفط لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة إليه، هو عام (2040)، وليس التاريخ الذي حدَّده تقرير ''سيتي جروب''، وهو عام (2030).
ومع كون نتائج هذه الدراسات اتسمت بالمبالغة نتيجةً لتبنيها افتراضات عامة غير واقعية تتمثل في عدم توقع اتخاذ السعودية لأي خطوات أو سياسات حكومية ـ طِوال الفترة الممتدة من وقتنا الحالي وإلى التاريخين المفترضين ـ للحدِّ من معدلات نمو الاستهلاك المحلي المتزايدة للطاقة، مِمَّا يعني استمرار الأوضاع على ما هي عليه (Business as Usual)، إلا أنها أصبحت بمثابة قرع للأجراس (في كل شارع وسكة)، وصارت حديثَ كل المجالس، والموضوع المحوري للعديد من الاجتماعات الرسمية، وأصبحت كذلك مثارًا للاستفسارات وطلب مقترحات الحلول من مختلف الجهات، حكومية وغير حكومية. وقد أخذ هذا الموضوع يزحف نحو تصدُّر أولويات السياسة العامة. ونتيجة لذلك تمَّ اتِّخاذ عدد من القرارات (بعضها سبق هاتين الدراستين) تصب في مجال تنفيذ حلول تدريجية للمشكلة، في جانبي العرض والطلب على الطاقة المستهلكة محليًّا.

#2#

وعلى الرغم من كلَّ ذلك الحِراك، إلا أنَّ الموضوع الرئيسي الذي يفك شفرة الاستهلاك المتزايد، وهو تسعير الوقود، لا يزال متروكًا دون نقاش رسمي معلن، يُهيِّئ الرأي العام المحلي للمرحلة القادمة من التعديلات الضرورية، ويطرح البدائل اللازمة لطمأنة المجتمع السعودي وقطاعاته الإنتاجية، بمحدودية التأثير فيه معيشيًّا وتنافسيًّا، في حال تمَّ تبنِّي مسار التصحيح السعري للوقود بمختلف أنواعه، من خلال ترشيد الإعانات المقدمة لهذا القطاع.

المشكلة حقيقة وليست ادِّعاءً
تعتبر المعدلات الفردية لاستهلاك الطاقة في السعودية من أعلى المعدلات العالمية، إذ تتفوق على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها. وقد نما معدل استهلاك الطاقة في المملكة خلال العقد الميلادي الماضي وبداية العقد الحالي، حتَّى بلغ أكثر من (6 في المائة) سنويًّا. وهو معدل يزيد على ضعف متوسط معدل نمو الناتج المحلي خلال نفس الفترة. وتستهلك السعودية حاليًّا حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميًّا ويتم تصدير الباقي. وفي حال استمرار هذه المعدلات المرتفعة من نمو استهلاك الطاقة محليًّا سنصل حتمًا إلى النتيجة التي ذكرها تقرير ''سيتي جروب'' والدراسات التي سبقته، وهي أن السعودية ستنخفض قدرتها على تصدير النفط تدريجيًّا. وحدوث مثل هذا الأمر سيؤثر سلبًا على العائدات النفطية التي لا يزال الاعتماد عليها شِبه كامل، في تمويل عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أسباب الاستهلاك المتزايد للطاقة والحلول المتوقعة:
أمّا ما يقف وراء وصول السعودية إلى هذا الوضع غير المقبول، فهي أسباب وعوامل عديدة، نذكر منها التالي وما نتوقعه من حلول بدئ في تبنيها، أو تلك التي يمكن الإسراع في تبنيها:
أولا: الأسعار المحلية المنخفضة للوقود، فهي التي شجعت على عدم المبالاة وعلى الإسراف في الاستهلاك، وقلَّلت من الحوافز التي تدفع إلى تبنِّي إجراءات ترشيد الاستخدام، سواءً في قطاع النقل أوالكهرباء أو غيرهما من القطاعات الاقتصادية. وانعكس ذلك على طريقة تفكير المواطن، فجعلته لا يفكر جِدِّيًّا في اقتناء وسائط النقل ـ وغيرها من الأجهزه المستخدِمة للوقود ـ التي تتميز بكفاءة استخدام أفضل، أو تلك المُوفرة للطاقة. ويُجرِي الجدول رقم (س) مقارنة بأسعار جالون البنزين - على سبيل المثال - في مختلف مدن دول العالم، فيتضح من خلاله الانخفاض الكبير في أسعار البنزين في السعودية مقارنة ببقية دول العالم المدرجة عدا فنزويلا. فبينما يراوح سعر الجالون من البنزين في السعودية بين (45) سِنتًا أمريكيًّا، نجده في معظم الدول الصناعية – بل حتى في بعض الدول النامية ــ يراوح بين8 و9 دولارات للجالون الواحد كما يتضح من الجدول.
ونتيجة لهذا الانخفاض الكبير في سعر الجالون تتحمل الحكومة السعودية مليارات الريالات كإعانة للمحافظة على الأسعار المحلية للطاقة عند هذه المستويات المنخفضة، حيث تصل أسعار بعض أنواع الوقود والكهرباء في المملكة، إلى أقل من تكلفة إنتاجها الفعلية. وإذا أضفنا إلى بلايين حجم هذه الإعانة، البلايين المهدرة نتيجة للفارق الكبير بين بيع هذه الكميات من النفط محليًّا بسعر (5-7) دولارات للبرميل الواحد، وبيعها عالميًّا بسعر أعلى من (100) دولار للبرميل الواحد أيضًا، لأدركنا حجم تكلفة الفرصة المضاعة، والأموال المهدرة والتي تتجاوز بكثير سقف المائة بليون دولار سنويًّا كان يمكن توجيهها إلى قطاعات إنتاجية تعود بنفع أكبر على تنمية ورفاهية المجتمع السعودي.
ثانيا: ما يساعد على استمرار ارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي من الوقود في قطاع النقل هو الغياب الكبير لوسائل النقل العام، وعدم فاعلية ذلك القطاع في السعودية.
وينعكس ذلك بوضوح في التزاحم الكبير الذي تشهده طرقات المدن الرئيسية، وصعوبة إيجاد حجوزات طيران داخلي بين المدن. وممَّا يدعونا إلى التفاؤل أنَّ نجد ما كان من التقصير في تطوير قطاع النقل العام في السعودية قد تحوَّل إلى اهتمام كبير. فهذا القطاع قد بدأ يحظى بأولوية بين المشروعات الحكومية، فَقد رُصِدتْ لمشروعاته عشرات البلايين من الريالات. كما قد تم البدء بتنفيذ العديد منها، مثل مشروعات القطارات بين المدن والقطارات المعلقة داخل المدن، إضافة إلى تطوير استخدام الحافلات. وباستكمال إنشاء هذه الوسائل، ستكون لها آثارها الملموسة في الحد تدريجيا من استخدامات الوقود، وفي التخفيف من الضغوط المرورية الكبيرة في مدننا الرئيسية، وستنعكس أيضا في التخفيف من الضغوط الكبيرة على الطيران الداخلي، ناهيك عن الخطوات المتخذة لتحرير قطاع الطيران الداخلي والسماح لشركات طيران إضافية بدخول هذا القطاع وَفْق شروط المنافسة، وكل ذلك سيقود إلى اتجاه تدريجي لإلغاء الدعم المقدم للوقود خلال الفترة القادمة.
ثالثا: محدودية مصادر الطاقة الأخرى، عدا النفط والغاز، حيث تسيَّدت المشتقات النفطية قطاع النقل، بل حتى قطاعيْ توليد الكهرباء وتحلية المياه، في الوقت الذي خصصت فيه معظم كميات الغاز المتاح إنتاجها لقطاع البتروكيماويات، وبعض محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه القريبة من مناطق إنتاجه وتجميعه. وفي الماضي، كان هنالك قرار بأن يُستخدم الزيت الخام في جميع محطات توليد الكهرباء والتحلية المزمع إنشاؤها، وبالتحديد في الفترة التي لم تستطع كميات الغاز المتاحة (المصاحب وغير المصاحب) تلبية الطلب المحلي المتزايد على الغاز في القطاع الصناعي. ونلاحظ أن هذا الاتجاه قد بدأ في التحول في ظل الاستكشافات المتزايدة والمتوقعة من الغاز، وبدأت السعودية تنفق المليارات لزيادة قدرتها الإنتاجية من الغاز. ويدل ما أعلنته أرامكو السعودية مؤخرا بتطويرها حقولا تملك احتياطيات كبيرة من الغاز في مناطق غير المناطق التقليدية ـ مثل منطقة شمال غرب المملكة ـ على هذا الاهتمام. وسيكون حقل ''مدين'' مثالا على ذلك. وسيحل الغاز الطبيعي تدريجيا محل الزيت الخام في كل محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه، ما يوفر كميات متزايدة من النفط للتصدير مستقبلاً وليس العكس. كما أنَّ الاتجاه الحالي هو اتجاه نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ـ مثل الطاقة الشمسية ـ لتكون مصدرًا إضافيًّا يستخدم إلى جانب الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، تحسُّبًا للتنامي المتوقع في الطلب المحلي على منتجات هذا القطاع. وتقوم مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة بالتخطيط لتطوير هذا القطاع بصورة سريعة.
ولا بدّ من أن نوضِّح هنا أنّ افتراض الدراسات المشار إليها ـ سواءً دراسة ''سيتي جروب'' أو دراسة ''الشاتم هاووس'' بثبات مستوى الطاقة الإنتاجية للنفط عند مستوى 12.5 مليون برميل يوميا لكامل فترة الدراسة (2030)، يعد أمراً غير واقعي، وذلك لأن مستويات الطاقة الإنتاجية في السعودية قد تغيرت في الماضي وما زالت تتغير، حسب ظروف الطلب العالمي على البترول، ولم تكن في يوم من الأيام ثابتة لفترة طويلة. وقد يكون السبب الذي يقف وراء ذلك الافتراض غير المباشر للدراستين هو ما شاع في الماضي في إطار نظرية ''ذروة الإنتاج النفطي''، عن محدودية قدرة السعودية وبقية الدول المنتجة على زيادة الإنتاج النفطي من حقولها، وذلك ما تم دحضه وقتها عمليا بزيادات الاحتياطيات النفطية والغازية التقليدية وغير التقليدية في مختلف مناطق العالم بما فيها السعودية.
رابعا: أما في جانب الطلب المحلي على الطاقة، فبالإضافة إلى محدودية حملات التوعية بضرورات ترشيد استهلاك الطاقة، فإنَّ السعودية لم تتخذ في الماضي أي إجراءات مُلزِمة لترشيد استخدام الطاقة، وتُرِك الأمر لبعض الاجتهادات الفردية التي تأثرت بحملات ترشيد استخدام المياه (وهو يمثل مشكلة أخرى تواجه السعودية). ويُعدُّ المركز الوطني لترشيد استخدام الطاقة التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي تم إنشاؤه أخيرا، خطوة مهمة نحو متابعة وأقلمة وتطوير مختلف التقنيات الخاصة بترشيد استخدام الطاقة، والتوجه إلى الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، إضافة إلى وضع الأسس والمقاييس الخاصة بترشيد الاستخدام وبلورتها لتصبح ملزمة. ومن حسن الحظ أنَّ السعودية تستطيع تحقيق الكثير من الوفورات في الطاقة المستخدمة، من خلال فرص زهيدة التكاليف، عالية المردود من حيث الإنتاجية، وبالتالي تستطيع المملكة خلال فترة ليست بالطويلة تخفيض كثافة استخدام الطاقة (Energy Intensity) اللازمة لإنتاج كل وحدة من وحدات الناتج المحلي الإجمالي GDP. ويأتي ما ذكره العضو المنتدب لشركة الكهرباء السعودية المهندس علي البراك لـ ''الاقتصادية'' الأسبوع الماضي عن مُضي الشركة في توفير (40 في المائة) من الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء خلال السنوات الخمس القادمة، يأتي دليلا على إدراك أهمية ترشيد استخدام الطاقة على المستوى الوطني، من جهة، وعلى الرخص النسبي للفرص المتاحة، وإمكانية تحقيق مثل هذه الوفورات حتى في ظل الدعم القائم لأسعار الوقود من جهة أخرى.

توقيت نشر مثل هذه الدراسات في العام الحالي
ومع أنّ هاتين الدراستين قد أطلقتا تحذيرا ـ كان ولا يزال ضروريًّا ـ من مشكلة تزايد معدلات الاستهلاك المحلي للطاقة في السعودية، وأوضحتا أنَّ هذه المعدلات المرتفعة لا يمكن استمرارها لفترة قادمة ـ كونها تؤثر على المتاح للتصدير من النفط ـ وأثارتا بنتائجهما نقاشًا محلياًّ عاصفًا يتردَّدُ صداه في كل المنتديات الثقافية، واختلط فيها الصحيح بغير الصحيح، وساهمتا في تحقيق توعية لها الكثير والكثير جدا من الفوائد حاضرًا ومستقبلا، إلا أنَّ كلَّ هذه الأمور لا تعكس حسن نوايا، ولا هي بالنصيحة البريئة التي تعكس حرص منفذي الدراسة ومموليها على استمرارية رفاهية الفرد السعودي في الفترة القادمة، بل هي تحمل في طياتها رسائل محلية ودولية - معلنة وغير معلنة - ظهر بعضها من خلال ردة الفعل العالمية على الدراستين. ونذكر من تلك الرسائل:
1- دعمها إصرار العالم الصناعي على ضرورة إزالة جميع أشكال الدعم العالمي المقدم للوقود الأحفوري ـ ومنه النفط والغازـ في حين يستمر ذلك العالم في دعم المصادر الجديدة والمتجددة، ومنها الطاقة النووية. وبالرغم من عدم وجود اتفاق دولي مُلزم ينصُّ صراحة على ذلك، إلا أنَّ العديد من البيانات الختامية والإعلانات الرئاسية والوزارية التي تصدرها مختلف التكتلات - ومنها مجموعة العشرين (G20) التي تُعتبر السعودية عضوا فيها-، يؤكد جميعها على ذلك. ويحاول متبنُّو هذا الاتجاه استخدام كافة الوسائل، بما في ذلك تضخيم أبعاد عدم التحرك للرأي العام في الدول التي لم تستجب فورًا لإلغاء دعم أسعار الوقود، وبالذات تلك الدول التي لا تخضع لقروض صندوق النقد الدولي وشروطه. وأرجو ألّا يفهم من هذا التحليل ممانعة السعودية القيام بمراجعة وترشيد الإعانات المقدمة لقطاع الوقود وغيره، إلا أنَّ ذلك لا ينبغي أنْ يتم بارتجالية ودون دراسة البدائل والمعايير المناسبة للتقليل من الآثار السلبية على مختلف شرائح المجتمع، وعلى تنافسية الصناعات السعودية، وبالذات تلك الموجهة للتصدير. وينبغي أيضًا القيام بتلك المراجعة وذلك الترشيد من منظور المصلحة الوطنية البحتة، وليس استجابة لبعض الضغوط الدولية.
2- إعطاؤها انطباعًا بأنّ السعودية لا تستطيع الاستمرار في أداء الدور الذي عُرف عنها على مر العقود الماضية، وهو أنها مصدر ''آمن وموثوق للطاقة ويمكن الاعتماد عليه'' بشهادة المجتمع الدولي، وكانت وما زالت تحافظ في كل وقت من الأوقات على طاقة إنتاجية نفطية فائضة لا تقل عن مليوني برميل يوميا عملت من خلالها على تحقيق التوازن والاستقرار المطلوب لسوق النفط العالمية. وصدور مثل هذه الدراسات قد يعطي الانطباع بأن هذه الأهمية التي تتصف بها المملكة في سوق الطاقة العالمية ستتناقص تدريجيا في الفترة القادمة، وستقِلُّ قدرتها على الوفاء بالإمدادات النفطية اللازمة. وذلك الانطباع يجب أن نتعامل معه بحذر، وأنْ يتمَّ تطمين العالم بعدم إمكانية الوصول إلى هذا الوضع، بل ستستمر السعودية في أداء دورها كمصدر موثوق وآمن يعتمد عليه، ولديها القدرة على استمرار تحقيق ذلك في الفترة القادمة.
3- دَفْـعُها الدول المستهلكة ــ نتيجةً لإثارتها هذه المخاوف من المخاطرالمتوهّمة ــ إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتسريع تخفيض اعتمادها على النفط المستورد، حتى وإنْ أدَّى ذلك إلى ارتفاع التكلفة الاقتصادية والبيئية، ويضاف إلى ذلك مساهمة هذه المخاوف (التي تثيرها الدراستان) في تسريع الحسم السياسي اللازم بين الحكومات والسلطات التشريعية فيها لتحقيق هدف ''أمن الطاقة''، وبالنسبة لبعض الدول مثل الولايات المتحدة هدف ''استقلالية الطاقة''.
وختاما، فكم من تحذيراتِ أطلقناها، كُتَّابًا ومُحلِّلين ومسؤولين سعوديين، في هذا المجال، لم تحدث أثرًا كالأثر الذي جاء رَدَّةَ فعل لهاتين الدراستين. بل حتى شركة أرامكو ــ وهي المعنية بإنتاج وتصدير النفط ــ قد حذّرتْ قبل حوالي عامين مضيا من تأثير الارتفاع الكبير في معدلات الاستهلاك المحلي من الطاقة، على المتاح من النفط المخصص للتصدير، ولكن يبدو أنَّ ''زامرَ الحيِّ لا يُطرب''. ولحسن الحظ، فإنَّ هناك فرصا متاحة للتأثير بالصورة المطلوبة في كل من العرض والطلب المحليين على الطاقة. كما أنَّ لدينا القيادة الواعية ولدينا - حاليا - القدرة المالية اللازمة لاتخاذ وتنفيذ الاستثمارات اللازمة لزيادة الاحتياطيات والإنتاج من النفط والغاز، وأيضا البدء بمشروعات الطاقة الشمسية لتحل بصورة متزايدة محل الوقود الأُحفوري المستخدم في توليد الكهرباء وتحلية المياه.
ولا بُدَّ من الإشارة هنا إلى أنّ المراجعة الدورية لأسعار الوقود في مختلف القطاعات أمر حاسم وضروري، شريطة مراعاة الأمور السابق ذكرها، وهي المتعلقة بكيفية التعامل مع الآثار السلبية المحتملة في شرائح المجتمع الدُّنيا والمتوسطة، وعلى تنافسية القطاعات الاقتصادية ذات الكثافة المرتفعة في استخدام الطاقة. هذا، ويمكن للتصحيح السعري أنْ يعطي الإشارة اللازمة للدفع بعجلة ترشيد استخدام الطاقة وتحقيق الوفورات المطلوبة، في ظل مقاييس واضحة ومُلزمة وفي مختلف القطاعات.

مستشار اقتصادي بترولي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي