Author

بلادي.. نحن في حربٍ إلكترونية!

|
* أهلاً بكم في مقتطفات الجمعة رقم 449 *** * حافز الجمعة: ثمّةُ فرقٍ بين التفاؤل والتواكل. فإنك إن حصّنتَ بيتك وأتقنت التحصين هنا تتفاءل بأنك وبيتك بأمان.. والتواكل أن تتوقع ألاّ يأتيك الخطرُ مع ضعف التحصين. *** * "أرامكو" وحربٌ حقيقية: لم أشأ أن أكتب عما تعرضت له "أرامكو" أخيرا من التقارير الخارجية، أو التقارير الداخلية، فهي لا تريحني للحقيقة كاملة. كنت مثل أي مواطن يضع يدَهُ على قلبهِ ويخاف، متسائلا: ما الذي حدث؟ كيف حدث؟ هل نحن قابلون للاختراق في أكبر المرافق التي تحدد مصيرنا ومصير الأمة؟ وتتكاثر التخوفاتُ وتتراكم ككتلةٍ ثقيلةٍ على قلب المواطن الوَجِل؟ هل سيهاجموننا في شبكاتنا؟ هل سيهاجموننا في مرافقنا الحيوية كالماء والكهرباء؟ الحرب المعلنة بالسلاح والنار نعرفها كلنا ونرى نذرَ شؤمها قبل أن تقع ونتوقع نتائجها ونعد العدّة لها، كما أرجو، ولكن أن نضرب من مكان كنا نحسب أننا فيه من الآمنين.. وتكون الضربة موجعة، موجعة جدا، هنا يكون للخوف الذي يملأ النفسَ مبرِّر، ويجعل للهواجس ممرَّاً، ويبني للقلق جسورا. ثم إن "أرامكو" هي عمودنا الفقري كلنا أفرادا ومجتمعاً وأمّةً، ورحمنا الله وحده من شلل كاد أن يكون كاملا. إن "أرامكو" ضنينة جدا بمعلوماتها، وهي عادة محافظة نشأت عليها أجيالُ القادة في "أرامكو"، وبالتالي ليس من السائغ هنا مطالبتهم بتحرير المعلومات، ولا نحن ندري هل من صالحنا المعلومات أم أنها ستغرقنا أكثر في رمالٍ متحركة من التوجّس والخوف.. لذا حتى الآن لم أكتب حرفاً عما جرى في "أرامكو". *** * رحلة للماضي: على أن بعضاً من موظفي "أرامكو" كبار وتقنيون وحريصون دأبوا على الحديث معي، واللقاء تواعدا بملاحقات كنت أخاف منها، لأني أعلم أن خوفي سيزداد، لأنه كخوف تائهٍ في مفازةٍ ولا يعرف الاتجاهات، ويخاف كل خطوةٍ تقوده لتيهٍ أبعد. ثم استجبتُ لقوة الضغط بل واللوم الشديد من بعضهم عندما يقولون: ألا تشعر بنا؟ وقلت لربما أيضا يزودوني بما يطمئنني. وبالفعل تواردت اللقاءاتُ والمكالمات، ثم صارت تزيد كلما علم بها آخرون من داخل "أرامكو"، بعضهم يشرح لي بإسهاب أننا تواكلنا في نظم الحماية، وبعضهم يقولون مواقعنا وتطبيقاتنا مكشوفة لتسلل الهاكرز، وبعضهم يقول إنها هجمة عبقرية منظمة، حيث إن الهاكر تخفى في شكل ملف متجدد Updated فدخل متقمصا شكل الملف لا الفيروس الذي تتعرف عليه برامج الحماية. يعني أن الهجوم كان كبيرا ومنظما، وقد لا يكون المخترق فردا - ولا أظن - إنما من مجموعة متقدمة جدا.. لا يمكن أن يكون شخصا واحدا. الموظفون يقولون: نذهب لمكاتبنا ولا نعمل شيئا أبدا. وبعضهم يقول: رجعنا للعصر التقني الحجري فصار العملُ بالهواتف والتلكسات والفاكس، وكنا نظنه عصرًا انتهى. ورجلٌ هاتفني يبكي، ويقول حرفيا: جئت من إجازة فإذا جهد تخزين وتبويب وعمل وذاكرة 30 سنة انمحى.. للأبد. *** * إنها الحربُ بعينها: معنى الحرب هو أن تبدأ بالاعتداءِ عليّ اعتداءً يهزّ أمني ويهدّدُ وجودي، وهنا يجب أن أشنّ عليك الحرب لا خيار لي ضعيفا كنت أم قويا.. أو النهاية. إن إتلاف الشبكة الإلكترونية في أكبر شركة زيتٍ في الدنيا هي حربٌ واعتداءٌ، فقد خرق أمننا وعرّضنا وأسرارنا وتقنيتنا وطرائق عملنا الحيوية إلى خطرٍ محدق. ولا يمكن - وهذا ما أقوله لمن أجتمعُ بهم: لا أشد اللوم على "أرامكو" فلا أظن أنها تواكلت، ولكنها ربما تفاءلت أكثر مما يجب.. على أني إن لمتُ أو لم ألُمْ فالنتيجةُ باقية. ثم إننا يجب أن نتنبه لقول قديم مهم يقول: "ويلٌ لأمة لا تأكل مما تزرع، ولا تستهلك مما تصنع". وهاهو يتجلى بأقوى حضور؛ فلا نحن صنّاع معلومات وبرامج متفوقين، ولا نحن خصصنا أموالا هادرة لتنمية القطاع الدفاعي والأمني الإلكتروني كما فعلت الهند وسنغافورة. في سنغافورة قالوا لي لن نخاف هجوما بحريا من أي أسطول حربي على الأرض.. لأننا واثقون بأننا سنهزمهم تقنيا، نحن الأقوى. وستبقى هذه المعضلة ماثلة أمام حاضر ومستقبل الأمة.. إلا إن استفدنا من مصائبنا وابتدأنا من الآن جادين - ليس بالبيروقراطية ولا بالتهاون وبالطمع في العقود - في إعداد خطة عشرية اسمها: فلنكن في أول صفوف التقنية الإلكترونية. وهي ليست حملة معاهد ومدن، بل حملة تصل لكل بيت، لكل فرد، لكل أستاذ.. لكل أحد. *** * والمهم: لا نعمة مطلقة على الأرض ولا بؤس مطلق، قد تتحول النعمةُ إلى بؤسٍ، والعكسُ صحيح.. انظر التقنية الإلكترونية مثالاً!
إنشرها