Author

هل يدرك أهل الحرمين هذه الحقائق؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
أمضيت الأسبوع الماضي برمته وأنا منكب على قراءة تقريرين بمئات الصفحات يخصان شؤون الطاقة، ولا سيما الأحفورية منها. وإن ذُكرت الطاقة قفز النفط إلى ذهنك، وإن ذُكر النفط صارت خريطة بلد الحرمين ماثلة أمامك. وأحد الأهداف الرئيسة لهذا العمود، منذ انطلاقته قبل أكثر من ثلاث سنوات هي خدمة العرب والمسلمين، ونخص بالذكر منهم أبناء وبنات بلد الحرمين من خلال تقديم طروحات فكرية وآراء ونظريات نتداولها في الأروقة الأكاديمية هنا في الغرب، ولا سيما التي لها علاقة مباشرة بشؤونهم. وأظن أن القراء الكرام لاحظوا أننا نحاول أن نعرج على ما هو سلبي وإيجابي في هذه الطروحات، وفي الوقت نفسه نسلط الضوء على ما هو سلبي وإيجابي في حياة العرب والمسلمين. ومن أكثر الأمور سلبية في أغلبية البلدان العربية والإسلامية، فقدان مراكز بحث علمية رصينة لها حرية في نشر تقاريرها وأفكارها واستنتاجاتها، ليس على الملأ من خلال الإعلام فقط، بل وضعها أمام أعين القادة والمسؤولين دون خشية وخوف من التبعات. في الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، تنتشر هذه المراكز البحثية في داخل الجامعات وخارجها وتتمتع باستقلالية كبيرة وحرية في التعبير عن آرائها وكتابة تقاريرها. في الحقيقة من يقود في البلدان الغربية اليوم هي مراكز البحث التي أصبحت بطريقة غير مباشرة مراكز قرار. هذه إيجابية نسجلها للغرب، لأنه من دونها لما استطاع الحفاظ على تفوقه في سلم العلم والمدنية والحضارة الإنسانية. والتقريران اللذان نحن بصددهما يقعان في هذه الخانة - خانة استقلالية البحث العلمي وخانة أهميته القصوى لأصحاب القرار. التقريران صادران من "سيتي" أو مجموعة سيتي جروب - عملاق عالمي في الخدمات المالية له مراكز أبحاث يعمل فيها خيرة علماء وأساتذة الجامعات في أمريكا والعالم. التقريران متناقضان بعض الشيء. في العالم العربي يُنظر إلى هذا الأمر بريبة. في عالم العلم والأكاديمية ننظر إليه بعين الصدقية، وذلك لاختلاف الأسلوب والمتغيرات، التي أخذها الباحثون في عين الاعتبار. ولا بد أن يكون أصحاب الشأن في المملكة على اطلاع عليهما، لأن التقريرين، ولا سيما الذي صدر أخيرا، أثارا كثيرا من البلبلة في الإعلام والأسواق العالمية. ولكنني كمحب للعرب والمسلمين كنت أتمنى أن يوضع ملخص، ولا سيما للتقرير الأخير - الذي يقول إن المملكة قد تتحول في غضون 20 عاما من الآن إلى مستورد للنفط في حالة بقاء الأمور على ما هي - في متناول كل مواطن سعودي. قد لا يعرف أو ربما يتغاضى كثير من السعوديين عن بعض الحقائق التي تخص حياتهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة، ولكن آن الأوان أن تتم قراءتها ودراستها والبحث عن سبل عملية لحلها، لأنها مشكلات تخص مستقبل أمة وضعت نفسها في خدمة الحرمين. لا بد من إعادة النظر في كثير من المتغيرات المستقرة والثابتة؛ منها أن معدل استهلاك الفرد للنفط في المملكة يفوق معدل استهلاك الفرد في أمريكا رغم أنه لا مقارنة بين التطور الصناعي في البلدين. المملكة تستهلك ربع إنتاجها من النفط حاليا بنسبة نمو تبلغ 8 في المائة سنويا. استمرار الاستهلاك على هذا المنوال وبالنسبة نفسها، معناه أن إنتاج المملكة الحالي من النفط، البالغ أكثر من 11 مليون برميل لن يكفي للاستهلاك المحلي. الدولة تبيع النفط لشركات الكهرباء والمصافي (أي للمواطن) بنحو خمسة دولارات، بينما يبلغ سعره نحو 115 دولارا في الأسواق العالمية؛ وهذا معناه أن دعم المحروقات يبلغ أكثر من 80 مليار دولار. ورغم أن مصادر المياه الطبيعية شحيحة في المملكة، حيث إن السكان البالغ عددهم 28 مليون نسمة يعتمدون على مشاريع التحلية المكلفة جدا، نرى أن معدل استهلاك الماء للشخص في السعودية يصل إلى 250 لترا في اليوم وهو واحد من أعلى نسب الاستهلاك في العالم. آمل أن يُدرس التقرير الأخير بتمعن، وأن يشمر الكل عن سواعدهم لتغيير مجرى هذه المتغيرات والتنبؤات المستندة إلى حقائق على الأرض لمصلحة المملكة، وتتحول نسبة الاستهلاك الرهيبة هذه إلى نمو اقتصادي يضع البلد في مصاف الدول المتطورة في غضون 20 عاما.
إنشرها