Author

مواجهة البطالة هل تبرر توحيد ساعات العمل؟

|
هل يمكن تطبيق نظام موحد لساعات العمل في القطاعين العام والخاص؟ هذا ما تسعى إليه دراسة أعدتها وزارة العمل، تدعو فيها إلى ضرورة توحيد وتقليص ساعات العمل إلى 40 ساعة أسبوعيا، وتحديد الإجازة بيومين أسبوعيا، وذلك لتحقيق إقبال السعوديين على العمل في القطاع الخاص. ويظهر أن التبرير الأخير هو الدافع لتبني توحيد ساعات العمل بين القطاعين، في حين أن توحيد ساعات العمل يفرض توحيد الأجور والمكافآت أيضا وغير ذلك من المزايا التي يوفرها القطاع الخاص، وهي تبرر زيادة في ساعات العمل عن القطاع الحكومي، فضلا عن مراقبة جودة أداء الموظفين وفرض أهداف عليهم إنجازها، ومن خلالها يتم تقييم أدائهم. إن طبيعة العمل في القطاعين مختلفة، فالروح التجارية والاستثمارية تسود في القطاع الخاص وتخلق اختلافا في بيئة العمل، كما أن العلاقة بين رب العمل والعامل ليست بثبات واستمرارية العلاقة في الوظيفة العامة، فالقطاع الخاص تتركز فيه العلاقة التعاقدية، وهي تعطي لكل طرف الحرية في فسخ العقد في أي وقت متى توافرت أدنى الأسباب لذلك، في حين يستحيل ذلك في القطاع العام، فالمركز الوظيفي للعاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين يستند إلى التوظيف بقرارات إدارية، ويخضع الموظف للامتناع عن التجارة ومزاولتها، فضلا عن أعمال التسبب التي ينص عليها النظام في أكثر من موضع. كل ذلك يمنع المساواة في المراكز القانونية بين القطاعين إلا إذا تم توحيد القوانين والأنظمة واللوائح، وهو أمر لا يتفق مع النهج القانوني الذي تفصل فيه الدولة بين المراكز القانونية للموظفين في القطاعين، لذا فإن تقريب طبيعة العمل في القطاع الخاص ليتساوى مع القطاع العام فيه مجافاة لروح التحفيز السائدة في القطاع الخاص، بل يؤدي إلى فرض طبيعة روتينية في القطاع الخاص تهدد الإنتاجية والجودة وتضعف آلية الرقابة في الشركات والمؤسسات وتفشل تماما عملية الاستقطاب للقوى العاملة والكوادر المميزة. وكم نادى المتخصصون بإدماج أفكار القطاع الخاص في مرافق الحكومة ومؤسساتها ومصالحها حتى تتحسن الإنتاجية والجودة والأداء. لقد اعتمدت الدولة منذ ما يزيد على ستة عقود خصوصية للعمل في القطاع الخاص، وأصدرت قانون العمل ليحكم العلاقة التعاقدية وأنشأت لجانا قانونية للفصل في المنازعات العمالية، ثم أعادت إصدار نظام العمل من جديد بما يرعى المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية مع الاستفادة من التجارب التطبيقية التي أدى إليها تطبيق نظام العمل في العقود السابقة. وكما أن للوظائف المدنية نظاما خاصا هو نظام الخدمة المدنية وللعسكريين نظام للخدمة العسكرية، فإن مبررات ذلك تناسب اختلاف المهام والطبيعة لكل نظام وظيفي، ما يؤثر في علاقة الطرفين وفي تفاصيل تلك العلاقة؛ ومنها ساعات العمل التي تسعى وزارة العمل إلى المساواة فيها وتقريب القطاع الخاص للقطاع العام، بعكس التيار السائد في كل دول العالم حيث التوجه نحو الخصخصة وتطبيق المبادئ التجارية في مرافق الدولة، خصوصا الخدمية منها. إن بعض مرافق الدولة ذات طابع استثماري وخدمي، ما يميز الموظفين فيها بعقود ومرتبات، بل حولت الدولة بعض تلك المرافق للقطاع الخاص وأعادت تنظيمه ليكون شركات مساهمة، بل ساهمت فيه وحفزت كوادره البشرية بمزايا تختلف تماما عن أوضاع الموظفين العموميين من مدنيين عسكريين، ثم عدلت القوانين لتسمح بالانتقال بين القطاعين وضم الخدمات بما يحقق المصلحة العامة في المؤسسات الاقتصادية التي تعتبر بمنزلة العصب في الخدمات، وحدث ولا حرج عن ميادين من القطاع الخاص وبعض الأنشطة كالأسواق المركزية ومحال المواد التموينية ومحال بيع التجزئة والأنشطة الحيوية كالمحطات والصيدليات والمحال التجارية عموما، فأي مبرر لفرض المساواة في ساعات العمل بينهما؟
إنشرها