Author

فقيد الطب السعودي: أ. د. عبد الكريم الأصقه

|
معرفتي وزمالتي للدكتور عبد الكريم الأصقه تصل إلى أكثر من 25 عاماً، فقد كان صديقاً وأخاً كبيراً للجميع، وكان في الوقت نفسه جاراً لي في المكتب ، فلا غرابة أن وفاته المفاجئة تعد صدمة لنا جميعاً، خاصة أنه كان يتمتع بصحة جيده، فاجأته المنية وهو يعمل في عيادته ينتظر الكشف على أحد المرضى، ولكنها هذه الأقدار وكما قال شاعرنا: كم من صحيح مات من غير علةٍ وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر وقد كان أستاذنا ــــ رحمه الله ـــ يتمتع بخصال شخصية ومهنية نادرة يمكن إيجازها بما يلي: 1) اتصف - يرحمه الله - بدماثة الأخلاق وحسن المعاملة مع الجميع (الطلاب، الزملاء والمرضى)، فهو دائما مبتسم ولا يحب أن يرى الغير مكفهراً أو متشائماً، فلا يكاد يمر صباحاً إلا ويضرب الباب على زملائه يحييهم ويسأل عن أحوالهم، كما يسعى دائما للإصلاح بين الناس. 2) ومن أهم ما تميز به الفقيد المهنية والالتزام بمواعيد العمل، فهو من الذين يحرصون على حضور الجلسة الصباحية لقسم علم الباطنة في كلية الطب، حيث يكون حضوره متميزا في توجيه الأسئلة وتأصيل مبادئ الطب لدى الأطباء الجدد، وبعدها يعود إلى مكتبه لمناقشة الحالات المرضية المنومة، وكثيراً ما يحرص على التركيز في الأمور البحثية، حيث كان باحثاً متميزاً يحب النقاش ويحترم الرأي الآخر. 3) ومما تميز به الفقيد الأصقه أنه يهتم جيداً بأخلاقيات ممارسة الطب، فقد ترأس ولفترة طويلة جداً لجنة تقصي أسباب الوفيات وبقاء المرضى في المستشفى Mortality and Morbidity Committee، حيث تعرض بعض الحالات المرضية في أسلوب علمي يحكي قصة مريض معين وخطوات علاجه وتصرف الفريق الطبي المعالج ومدى قيامة باتخاذ المطلوب، تبدأ الجلسة وكأننا في محكمة جنائية، كل ذلك من أجل أن يكون القرار المستقبلي تجاه علاج أي مريض متماشياً مع الأسلوب الأمثل والأحدث لعلاج المرضى وضمان سلامتهم. هذا النوع من المتابعة لو اتبع في جميع أقسام المستشفيات الحكومية والخاصة، لتحسن أسلوب العلاج وقلت الأخطاء الطبية. فقد كان ـــ يرحمه الله ـــ متميزاً في الإشراف على أعمال تلك اللجنة الأخلاقية. 4) ومن حرصه ـــ يرحمه الله ـــ على أخلاقيات المهنة فقد كان دائما من المتشددين جداً في ألا يقوم الطبيب المعالج بطلب أي تحليل أو أشعة أو نحوها ما لم يكن هنالك مسوغ طبي مبني على قواعد طبية أصيلة، لذلك تعود المتدربون في المستشفى على اتباع هذا الأسلوب الذي سيوفر على الدولة والمواطن الكثير من التكاليف والعناء. 5) وتكملة للفقرة السابقة فقد قام ـــ يرحمه الله ـــ بتغطية بعض الأطباء في إحدى المصحات الأهلية، وفوجئت إدارتها بانخفاض الطلب على التحاليل خاصة فحص الأشعة، وحاولوا نقاشه فقال لهم ما طلبته من تحاليل يكفي لتحديد التشخيص المطلوب فلماذا أكلف المريض مزيدا من المصاريف؟! بالطبع هذا الأسلوب الأخلاقي قد لا تجده في الكثير من المصحات الأهلية (المشهورة)، حيث إن بعضهم من يكافئ الطبيب المعالج بنسبة معينة من تكاليف الفحوص المختبرية وغيرها، والتي بالطبع ترهق كاهل المريض، فلا غرابة أن يدفع الكثير من المرضى مبالغ كبيرة مقابل أشعات وتحاليل دقيقة لا داعي لها، وهذا الأسلوب مناف لأخلاقيات ممارسة الطب. 6) ومن الجوانب الإنسانية في حياة الدكتور الأصقه ـــ يرحمه الله ـــ أنه يحب مساعدة الفقراء وتتبع حاجاتهم، بل لا يتردد بأن يقدم شفاعته للمحتاجين، ليس في مجال الطب فحسب بل وفي كل المجالات الإنسانية الأخرى، فقلما يعتذر عن قبول مريض جديد أو دخوله لغرف التنويم، حيث يسعد كثيراً ويتابع تلك الحالات بنفسه. وختاماً: فقد وجدنا من خلال مسيرة الفقيد الطويلة والذي يمثل الرعيل الأول من الأطباء السعوديين، أنه ترك بصمات لا تُنسى في تأصيل أخلاقيات ممارسة المهنه والتفاني في خدمة المرضى وتدريس الطلاب، رحمك الله يا أبا ياسر ونسأل الله أن يجمعنا وإياك في روضات الجنان.
إنشرها