Author

رجل عاقل.. ومشلح ثمين!

|
وجدته يدوس مشلحه الثمين بقدميه .. استوقفته وكلي ثقة بأن عقله قد أصابه شيء من الخلل.. وإلا كيف يدفع خمسة آلاف ريال في مشلح ثمين ويسمح لنفسه بأن يدوسه ثاني أيام العيد وهو لم يستعمله إلا يوماً واحداً فقط؟!.. وبالأخذ والعطاء معه أكد لي أن عقله بخير.. بل إنه يشعر برجاحة عقله أكثر من أي يوم مضى.. وباستغراب سألته إذاً ما ذنب المشلح المسكين؟! وهنا أطلق تنهيدة أحسست أنه شعر بعدها براحة كبيرة وقال: يا أخي هذا المشلح مسح شخصيتي.. وأصبح هو أنا.. إن لبسته فتحت لي الأبواب ووضعت في الصفوف الأولى وإن نسيته لأي سبب من الأسباب ربما أمنع من دخول المجالس.. وبالتأكيد لو دخلت وجهت وبكل جفاء وشدة إلى الصفوف الخلفية! ولذا قررت أن أصب غضبي عليه لكي أمنعه من مسح ما تبقى من شخصيتي.. ومن اليوم فصاعداً سأحمله على يدي لكي يعلم الناس أن لديّ مشلحاً لكنني لن أرتديه تأديباً له ولكي أعيده إلى حجمه الطبيعي! وهنا تذكرت قصة ساعدتني على رسم الابتسامة على وجهه الغاضب حيث قلت: ألم تسمع بقصة الشيخ زايد بن سلطان ـــ رحمه الله ـــ حيث كان بعض الوزراء والوجهاء يأتون إلى مجلسه يحملون مشالحهم على أيديهم.. ولم يعجبه ذلك، فقال لهم: هل هذه المشالح للبيع وإذا لم تكن كذلك، فلماذا لا تلبسونها أو اتركوها في منازلكم؟.. وفعلاً لبس البعض مشالحهم والبعض زال الحرج عنه وترك المشلح نهائياً، كما نرى في دول الخليج عامة، حيث لم يعد شرطاً أن يلبس الجميع مشالحهم، كما كان الحال في الماضي، حيث الجميع وحتى الصغار من طلاب المعاهد الدينية يشكل المشلح جزءاً أساسياً من زيهم. وأردت أن أزيد جرعة الطرافة فقلت له إن شخصاً كان يتأبط مشلحاً في كل المناسبات دون أن يرتديه ولو مرة واحدة.. وعقد رهان بين اثنين من أصدقائه بأن هذا المشلح ممزق من الداخل.. ويكفي أن يرى الناس (زريه) اللامع بشدة، وتدافعا على الرجل في إحدى المناسبات حتى سقط المشلح وفحصه الجميع فإذا هو فعلاً ممزق من الداخل ولا يصلح للاستعمال! ونجحت بالقصتين أن أجعل صاحبنا يضحك حتى استلقى على ظهره.. كما يُقال في كتب التراث! وأخيراً: لا أقصد من هذا المقال السخرية من المشالح فهي جزء عزيز ومهم من لباسنا الرسمي.. لكنني فقط أردت إعادة تجربة كتابتي للمقال الساخر الذي كنت أحد كتابه في الماضي في زاوية "غرابيل" في جريدة "الرياض"، ثم "هوامش صحفية" في "الجزيرة"، وفي الصفحة الأخيرة من مجلة "اليمامة". والخلاصة: إن المظاهر مثل الملبس أو السيارة الفخمة أو تذاكر الدرجة الأولى يجب ألا نعتقد إطلاقاً أنها التي تصنع الشخصية لنا.. لكن المنطق والحكمة والتعامل الطيب والتواضع هي الخلطة السرية للشخصية المحترمة في كل المحافل.
إنشرها