Author

على جسر اللوزية

|
سأعود لاحقا لأغنية السيدة فيروز، لكني أريد أن أشغلكم وأشغل نفسي أولا بانهيار السقالة الخاصة بحمل كمرة تزن نحو 88 طنا من جسر تقاطع طريق الأمير ماجد مع شارع الأمير محمد بن عبد العزيز ''التحلية سابقا''. للمعلومية، أمانة جدة أكدت بكل ثقة مخضرمة و''معهودة'' أن الانهيار لم يؤثر بأي حال من الأحوال في جسم الجسر الذي يوشك على الانتهاء، وأنه قد تم تركيب 18 قطعة مسبقة الصنع من الجسر، ولم يتبق إلا تركيب قطعتين فقط. كذلك بشرتنا الأمانة الموقرة بأنه لن يتم افتتاح النفق الخاص بالتقاطع الواقع على شارع الأمير محمد بن عبد العزيز في الوقت نفسه، نظرا لعدم انتهاء الأعمال المضافة للنفق التي فرضتها تبعات المعالجة الفنية والعلمية لتسرب مواد بترولية من محطة البنزين المواجهة للنفق من الناحية الجنوبية، إضافة إلى أعمال جديدة أخرى أضيفت للتعامل هندسيا مع خط المياه الرئيس الذي يخترق النفق. المسؤول يريد أن يقنعنا أنه لم يحدث أي انهيار للجسر، وأن ما حدث هو سقوط جزء واحد فقط لا غير (الكمرة التاسعة عشرة) قبل تركيبه نتيجة انهيار السقالة التي كانت تحمله، يعني: ''فسر الماء بعد الجهد بالماءِ''. كذلك أعلن سعادته أن انهيار السقالة التي تحمل ''الكمرة'' لا علاقة له بالجسر، كما أن الكمرات الأخريات التي تم الانتهاء من تركيبهن ''حتى الآن'' سليمات. تعبير ''حتى الآن'' لا يبعث على الارتياح، وقد يعني أن كل الاحتمالات واردة لتصدع أجزاء أخرى من الجسر، لا سمح الله، لنعود في النهاية ونلوم السقالة المشؤومة على فعلتها المشينة. على العموم، أهل جدة أدرى بحفرياتها وحفرها وصباتها وجسورها. من المفترض أن العقد المبرم بين الأمانة والمقاول منفذ مشروع جسر تقاطع طريق الأمير ماجد مع شارع الأمير محمد بن عبد العزيز ''التحلية سابقا'' وأي مشروع آخر، يقضي بتغريم المقاول لقاء أي يوم تأخير عن المدة المحددة لتسليم تلك المشاريع. في هذه الحالة صب القطعة البديلة يستغرق 30 يوما، ما يعني أن الجسر الذي كان من المقرر افتتاحه في منتصف شوال الجاري لن يتحفنا معالي المسؤول بافتتاحه ببشته المحفوف بكاميرات الصحافة والإعلام قبل منتصف ذي القعدة. الأمانة شكلت لجنة للتحقيق وقامت مشكورة بجولة تفقدية على موقع المشروع، ما أكثر تلك اللجان وما أقل فاعلية تلك الجولات التفقدية. أما الدفاع المدني فقد أطلق تصريحه المعهود أن عقوبات رادعة تنتظر مقاول الجسر، بسبب مخالفته لبعض الإجراءات المتعلقة بالسلامة. أين كان الدفاع المدني وإجراءت السلامة خلال الأشهر الماضية التي كان الجسر فيها تحت التنفيذ؟ قبل أن أنتقل من جدة، لعلي أذكركم أن ''أمانة'' محافظة جدة أعلنت في عام 2010 أنها خصصت مبلغ ثلاثة مليارات ريال لتنفيذ مشاريع جسور وأنفاق وحلول سطحية لفك الاختناقات المرورية خلال السنوات الخمس المقبلة. نريد من تلك المشاريع أن تكون فعلية وليست سطحية، وأن تفك الاختناقات المرورية وتعمل على تحرير جميع المحاور. حادثة جدة ليست أول انهيار لجسر تحت الإنشاء، ففي آذار (مارس) 2008 تعرض مشروع جسر تقاطع طريق الملك فهد بن عبد العزيز وطريق الأمير نايف بن عبد العزيز في الدمام لحادث ''ميلان العصب'' أثناء عملية صب خرسانة العصب الأخير في سقف الجسر. المؤسف في هذا الحادث وفاة عامل وإصابة أربعة آخرين. طبعا تم تشكيل لجنة ''عاجلة'' لمتابعة المشروع في ضوء نتائج التقرير الفني. كان الله في عون أمانة الدمام فجسورها وأنفاقها في حاجة إلى بعض ''الأمانة''. ما زلنا نتذكر نفقي الدمام الشهيرين الواقعين على طريق الملك فهد، اللذين عانيا الشروخ في الأجزاء الخرسانية وتسربات المياه المتكررة. كالعادة شُكِّلَت اللجان ''المختصة'' لمعرفة أسباب التسربات والتشققات والتصدعات التي أصبحت هاجسا كبيرا تؤرق مرتادي النفقين. وطالما نحن في الدمام، فقد حمل مرور المنطقة الشرقية الأمانة في آذار (مارس) 2011 مسؤولية عرقلة حركة المرور على تقاطع جسر طريق الملك فهد مع شارع الظهران، وبطء حركة القادمين من الخبر باتجاه مطار الملك فهد. يبدو أن سبب ''العرقلة'' المرورية هو عدم صيانة فواصل التمدد على الجسر رغم أن المرور خاطب ''الأمانة'' لصيانة الفواصل وتغييرها لمنع وقوع إرباكات مرورية قد تؤثر في حركة السير. للمعلومية، الهدف من الفواصل المعدنية هو إعطاء مجال للحديد للتمدد في الصيف والانكماش في الشتاء، ما يحول دون حدوث ''اعوجاج'' في الكباري. من الواضح أن المطلوب هو تمدد وانكماش صبرنا طالما أن هناك ''اعوجاجا'' في المسؤولية. تحولت بعض جسورنا ياسادة إلى مطبات صناعية فوق الكباري، فبعضها يعاني الصدأ لعدم صيانتها الدورية فتحولت لقنابل موقوتة تهدد حركة المركبات، وبالتالي حياة السائقين والركاب. على العموم لم أكن أعلم أن فواصل الجسر تتآكل، بسبب مرور المركبات عليها بعد أقل من ثلاث سنوات على إنشاء الجسر. بما أننا نتحدث عن الجسور، فقد أوضحت إدارة مرور منطقة الرياض أنه بالتنسيق مع وزارة النقل سيتم إغلاق أجزاء من مسارات الطريق لجسر الخليج في طريق مكة المكرمة في الاتجاهين اعتبارا من آخر أيام رمضان لأوقات محددة ولمدة 20 يوما. السبب؟ حِرص جهاز المرور ووزارة النقل على سرعة إنجاز أعمال الصيانة والتنفيذ وفتح جميع المسارات أمام حركة المرور ومستخدمي الطريق بشكل عاجل. معظم جسورنا وطرقنا وأنفاقنا تم التخطيط لها بصفة عاجلة، وتم تنفيذها منذ أكثر من 20 عاما دون أن تؤخذ بالحسبان نمو العدد السكاني، وبالتالي ازدياد عدد المركبات. عودة لأغنية فيروز، ''على جسر اللوزية تحت وراق الفي... هب الغرب وطاب النوم وأخذتني الغفوية''.. متى تصحو مؤسساتنا المعنية من غفوتها وتلتزم بتشييد جسور المسؤولية والأمانة والوطنية الصحيحة غير الآيلة للسقوط؟
إنشرها