Author

الدكتورة فوزية حمد العبد القادر، وجناحا ملاك

|
عرفتُ في حياتي ناسا بأرواح شفافة، وبأنفس تلامس السماوات طيبة وعطاءً وانقطاعا وتضحية من أجل عموم الناس، بل هو حب عام، ورغبة فائرة لا تهدأ في الارتقاء بهم، إيمانا بأن الارتقاء ببعض الناس كافٍ للارتقاء بالمجموعات العريضة منهم. عرفت ناسا في حياتي من طيبتهم وروعة إنجازاتهم وبذلهم المشبع بالمحبة والطيبة المتأصلة بالخلق والتكوين، ألحَّتْ عندي رغبةٌ من صغري أن أدير ظهورهم لأرى إن كان بها أجنحة ملائكة. طالما سمعت عن الدكتورة فوزية العبد القادر الطبيبة بالمنطقة الشرقية، الخارج، وأسمع عنها على الدوام من أختي الدكتورة منى الزامل منذ أن كانت تلميذة إلى الآن وهي الطبيبة والزوجة والأم، وعجبت من قوة تداول الاسم، وسرّ هذا التداول فطلبت من أختي أن تخبرني عنها، فكان جواب الدكتورة مُنى: ''كنت أظنك لن تسأل!''. وما سنقوله عن الدكتورة النادرة ''فعلا'' فوزية العبد القادر هو رأيٌ صاغته الدكتورة مُنى من مجمل الآراء عنها، ولأنها عاشت مع الشخصية وصادقتها، وتكاد أن تقول إنها لم تر لها مثيلاً.. وأتشجع هنا لا لأكتب عن شخصية شهيرة، أو ذات نفوذ وقوة، بل عن سيدة عادية من بينكم، من جموعكم، من ظروفكم، من حياتكم اليومية.. من دمكم ولحمكم. وكي تكون لنا وبالذات للعاملات والعاملين بالحقل الصحي استلهاما للسمو النفسي والأخلاقي والنفعي والعلمي.. وتاج الصفات: العطاء. الدكتورة فوزية العبد القادر صنِّفوها إن أردتم ممن يطلق عليهن الملتزمات؛ الخمار والقفازات، وهذا لم يكن عائقا أبدا عن عطاء يشبه الأسطورة إن لم تسجل أسطورة بذاتها، بل ربما كان ذاك الالتزام المنصة التي شهدت انطلاقاتها بأجواء العطاء الكبير. تزوجت فوزية وهي في سنة الامتياز منهية الدراسة النظرية بكلية الطب، والزوج طالب بالهندسة لا يملك شيئا سوى مكافأته الشهرية، على أن المال والمظهر لا يعنيان لها شيئا بقدر نوعية الناس ومتطلبات الحياة الزوجية الصالحة. أما صفاتها وهي طالبة تدرس الطب فقد كانت بغاية الذكاء واتقاد النشاط وفهم المواضيع بالتقاط سريع عجيب، وتمضي الساعات في عون زميلاتها لفهم المواضيع مع أنها كانت تحتاج إلى كل دقيقة لنفسها بدراسة ثقيلة تفصيلية بالغة الإجهاد. وكانت مدهشة باللغة الإنجليزية وربما من أبيها المهندس الجيولوجي، وكان التفوق معها كالطالع الملاحق، على أنها لم تكن إلا تلك الزميلة البالغة التواضع المتفانية بخدمة زميلاتها. لما صارت طبيبة تدور في أروقة قسم الولادة والأطفال بدأ الناسُ يتحدثون عن طبيبة سعودية مجتهدة ومتفوقة وتعامل الجميع وكأنهن أخوات لها، فراج عنها لقب أطلقه روّادُ المستشفى وهو: ''الطبيبة الملاك''.. كان كل عملها يتصف بالإنسانية المنسابة إخلاصاً للمريض، فهي لا ترى بالمستشفى إلا المريضَ وأنها مسخَّرة من أجله. من أعمال الدكتورة فوزية ويروّج الآن بأكثر من مستشفى هو لما وُظِّفتْ الدفعاتُ الأولى من بنات التمريض بالمستشفيات، ولاحظت - مع الأسف - كيف أنهن تخرجن بلا تدريب ولا تأهيل ولا علم كافٍ، وكيف أنهن لا يعطين من مهام سوى تغيير شراشف أسرَّة المرضى، فانتصرت لبنات بلدها حيث كان الآخرون يتندرون بهن ومن جهلهن، فنذرت نفسها لتدريبهن وسقيهن العلمَ الصحي قطرة قطرة حتى يمتلئن علما ورقيّا مهنيا، فاعتادت أن تأتي يوميا قبل دوامها الصباحي بمدة وتعقد دورات التعليم والتدريب لهن، دون أن يطلب منها أحدٌ ذلك، بل حرصتْ أن تعمل هذا دون طلب الإجراء الرسمي حتى لا يتعطل برنامجها، ونجحت نجاحاً مذهلاً، وقدمت أول دفعة من أفضل الممرضات السعوديات حتى الآن.. بلا منّة، بلا ضجّة. وغيّرت وحدها حالَ الممرضات السعوديات من حال الاستهزاء بهن، إلى حال الإعجاب بهن. تقول الدكتورة مُنى: ''جئناها نحن الطبيبات المقيمات، وأخذت بأيادينا، وليست هي الأقدم منا كثيراً، وعلَّمتنا وشجّعتنا، وحرصت أن تعمل على كل واحدة منا فردا فردا في تنمية المهارة العلاجية، وكانت تقول لنا بإصرار: لن تتقنَّ العملَ إلا إذا زادت أولا ثقتكن بالله تعالى ثم بقوة إرادتكن الشخصية للتعلم والعطاء وخدمة المريض..''. وتقول الدكتورة منى: ''سمِّ ذلك ما تشاء، فالحقيقية صرنا بفضل الله ثم بفضل الدكتورة فوزية من أفضل الطبيبات''. للدكتورة فوزية أعمالٌ وأعمال، تقول الدكتورة منى: ''ولأني أعتقد أن الله يحبها من محبة الناس لها وما عملت من أجلهم بتواصل وبلا كلل فقد ابتلاها الله بمرض الرحمة لتخليصها من أي درَنٍ دنيوي لحق بها.. وأن الله ابتلاها لأنه يحبها''. اللهم ارفع عن حبيبتك فوزية، واشفها. وأخيراً سؤالٌ يعصف بقلبي: فوزية يا حبيبة الله هل لديك جناحا ملاك؟
إنشرها