Author

القوى البشرية في إدارة المرافق

|
تعتمد القرارات الاستثمارية في المشاريع على حجم الاستثمارات أو التكاليف المتعلقة بها على مدى دورة حياتها. وما يظهر لنا من التكاليف المبدئية للمشاريع (تكاليف الدراسات والتنفيذ إلى حين اكتمال المشروع) ما هي إلا الجزء الذي يمكن رؤيته من جبل الجليد، حيث تكمن النسبة الأكبر من التكاليف في إدارة وتشغيل المرافق بعد إنشائها، حيث ذكرنا في مقال سابق أن نحو 80 في المائة من تكاليف دورة حياة المشروع يتم الاحتياج لها في إدارة وتشغيل وصيانة المرافق. ومهما كان الاختلاف حول هذه الأرقام، إلا أن المؤكد أن تكاليف التشغيل والصيانة والحفاظ على المرافق في حالة تشغيل ممتازة في مثل حالتها وهي في بداية عمرها يتطلب تكاليف عالية، لذا يخصص لها أحد أبواب الميزانية العامة وهو الباب الثالث. هذا الأمر يستحق النظر إليه بعين العناية ونحن ننفق الكثير من الأموال في الفترة الحالية التي تشهد طفرة في الإنفاق العام على المشاريع الجديدة التي يتم تنفيذها اليوم وتحتاج إلى الإدارة والتشغيل والصيانة غدا، أي النظر في موضوع إدارة المرافق على مدى دورة حياتها وما تحتاج إليه ليس فقط فيما يتعلق بالأموال والاحتياج إليها، ولكن أيضا فيما يتعلق بالأيدي العاملة والمواد اللازمة والطاقة. لقد ظهر مصطلح إدارة المرافق Facilities Management حديثا للانتقال بإدارة التشغيل والصيانة إلى أعلى المستويات تناسبا مع أهميتها في جودة الأعمال التي تقوم بها المنظمات. وتغير حتى موقع المعماري كقائد لفريق العمل الهندسي ليكون مدير المرفق Facilities Manager هو القائد باعتبار أنه هو الذي سيقوم بإدارة نتائج التصميم والتنفيذ، حيث كانت الممارسة أن يتم التصميم كمرحلة منفصلة تماما يتبعها التنفيذ كمرحلة أخرى، ويتم تسليم الأعمال لمدير الصيانة الذي يقوم بمعالجة أخطاء أو قصور أو خلل الأداء في المرحلتين السابقتين ويبدأ في التهيئة ليكون المرفق مناسبا لتطلعات المنظمة التي قامت بإنشائه ومحققا للأهداف التي تخطط لتحقيقها. وبالترتيب الجديد لمهنة مدير المرفق يمكن تقليل الأخطاء ومعالجة الأمور من بدايتها. تحتاج إدارة المرافق إلى الأيدي العاملة الفنية المؤهلة لتهتم بالمرافق وتعتني بمستوى الأداء فيها، وهناك مرافق تعتمد بشكل كبير على الكفاءات البشرية ليكون أدائها في مستوى الجودة المطلوب، المستشفيات ومحطات توليد الطاقة والمصانع بجميع أنوعها والمدارس والمكاتب ومرافق الخدمات الأخرى، مثل توصيل المياه وتصريفها ومعالجتها وخدمات الاتصالات والطرق، وغيرها الكثير، كل هذه خدمات تحتاج إلى الآلاف من القوى البشرية التي تجعلها تؤدي الخدمات المطلوبة منها. ومع ما تم بذله على التعليم الفني والتقني، إلا أن مخرجاته لم تساهم في سد الحاجة للأعداد المتزايدة للمهندسين والفنيين والعمال المهرة اللذين يعملون في مجال إدارة المرافق. وما زلنا نستعين بالكثير من القوى البشرية من دول كثيرة لتساعدنا على العناية بمرافقنا، والسؤال المهم، هل سيستمر الوضع على ما هو عليه؟ وهل قمنا بالتخطيط ليوم قد نحتاج فيه إلى أنفسنا؟ ماذا عملنا لمقابلة الطلب على إدارة المرافق التي نقوم بإنشائها كل يوم؟ لقد مررنا بتجربة عودة الكثير من الفنيين والأيدي العاملة الماهرة إلى بلدانهم إبان غزو العراق للكويت عام 1990، وبقاء من بقي منهم. إن هذا الموضوع يوضح أن سياسات السعودة التي تفرضها أنظمة العمل تحتاج أيضا إلى أن يكون هناك تخطيط استراتيجي بعيد المدى لحل مثل هذه الأزمة برؤية واضحة وعادلة وعزيمة صادقة وصبر لا يكل دون استعجال للنتائج أو فخر بنتائج أولية لا يمكن الحكم من خلالها.
إنشرها