Author

قادة الرياضة والمعتوهون

|
لا يمكن أن تحول الوعي إلى مادة سائلة في زجاجات حقن صغيرة وتوزعه على بوابات الدخول في ملاعب كرة القدم السعودية، وكلما همَّ مشجع بالدخول رفع ثوبه وتلقى حقنة في العضل. لا يمكنك، أن تضعه في مشروب يتناوله الجمهور، ويزيد معه مؤشر الوعي، ولا يمكنك أن تزيده بكتابة آلاف المقالات وعقد ملايين المحاضرات. ولست هنا، بالرافض قطعيا للتعصب الرياضي، فالمشجع عاشق، والعاشق متيم، والتعصب أعلى درجات العشق، وكل هذا حب، والحب جميل في الحياة، محمود غير مذموم، لكني رافض للنوع الذي يتحول معه العاشق إلى بشر يفقد صوابه وميزان عقله، لا يرتدع لمبدأ ولا قانون، ولا يحكمه خوف من الضمير، ولا خشية من ظلم الآخرين، يهتم بالانتصار لقضايا زائفة، ببهتان عظيم، أو دليل واضح جلي، لا يهم، المهم ألا يسقط فريقه ولا تغيب نجومه، ولا يخسر أمام خصومه، وليذهب البقية للجحيم، فكلهم كذابون مندسون حاقدون فاسدون، سقطت عنهم أي حقوق بشرية وأهدرت دماؤهم، وليس لكراماتهم وجود، أمام الطوفان المتعصب. هذه صورة تشكلت منذ زمن قريب في الكرة السعودية، وبدأت في السيطرة على واجهات الأندية إعلاميا، وجماهيريا، وأصبحت تهدد المستقبل القريب وتجهض أي مخططات واعية للمستقبل البعيد. لها أسبابها الواضحة، أولها غياب القانون الواضح في المؤسسة الرياضية، وتسلل الكثير من الفاشلين إلى فروع هذه المؤسسة وفي مقدمتها الأندية، معتمدين على نفوذ اجتماعي أو سلطة مال، إضافة إلى ضبابية النظرتين الحكومية والاجتماعية تجاه الرياضة عامة، وقبل هذا لا بد من الاعتراف بأن التعصب يحفظ وجود البعض في أوساط الرياضة إداريا وميدانيا وإعلاميا، ولذلك يساهمون في دعم بقائه. تلك فئة من المتعصبين، أسميها الفئة المستفيدة، وهي الأخطر، هناك أيضا الفئة المخدوعة، وهي التي تكوّن لديها ما يشبه الوعي الزائف، وهو شعور خادع وكاذب بالمعرفة والعلم والثقافة يتكون لدى مجموعة من الناس فقدت هويتها الحقيقية، فسيطر عليها الوعي الكاذب، ومخاطره جسيمة، إذ يقيد النجاح ويسهم في بقاء المجموعة في الأجواء السيئة التي تحيط نفسها بها، لا تتقدم، ولا تتأخر، ولا تعرف أنها مخدوعة من دواخلها، وليس هذا من بنات أفكاري بل تعريف كارل ماركس للوعي الزائف. ولأن الوعي ينشأ ذاتيا ويتحول إلى العالم الخارجي، ليتشكل ويشكل المجتمع الكبير، كما يقول الفيلسوف الفرنسي ديكارت، ولأن الرياضة وكرة القدم تحديدا، تستقطب قطاعات مهمة من شرائح مختلفة تبدأ في الغالب من سن العاشرة وتنتهي في الخمسين – على الأقل في السعودية – لا يمكن أن نطلب وعيا متسقا من كل هذه الشرائح المختلفة في العمر والتعليم والبيئة والمؤثرات الأخرى، وحتى لا نخسر القضية مبكرا ونسلم الراية، علينا أن نتجه إلى القادة، ففيهم القدرة الكافية للتأثير في الجماهير والسير بهم إلى مناطق آمنة وسط الألغام التي يزرعها المستفيدون من التعصب، ولن يتحقق هذا ما لم يعرف القادة في المؤسسة الرياضية، الأندية، والإعلام الرياضي، أن مسؤوليتهم كبيرة يحتاج إليها المجتمع الكبير، تسقط أمامها المكاسب الفردية الصغيرة، ولا يتحقق هذا ما لم يعرف القادة أنفسهم، أن القائد ليس كالتابع، عليه أن يتصف بالحكمة والصبر والجلد في الإنصات للمعتوهين من أتباعه وتغيير نمط تفكيرهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولا يتحقق هذا ما لم يكن لدينا قادة حقيقيون.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها