Author

ديناصورٌ على الدائري!

|
* أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 430. *** * حافز الجمعة: هناك فرص كبيرة لخدمة الإنسانية قد لا تتحقق لكثيرين، وهناك فرص صغيرة وكثيرة لخدمة الإنسان تعبر أمام وحول الكثيرين.. وكلهم بذات مقياس العظمة! *** * شخصية الجمعة: "مبارك" اسم استعرته لشخص رأيته بأحد أحياء الرياض، لم أعرف إلا اسمه الأول، ورأيته بذات اليوم مرتين، كل مرة أقول هذا الذي يبدو بسيطا، هذا الذي يذوب ككسرة ملح في الجموع، رجلٌ توافرتْ به صفاتُ العظمة التي تحدد الإنسان متحضرا ومحبا، ومهما. رأيته أول مرة فجرا يسير بالشارع خارجا من المسجد ويلتقط كل ورقة وكل ما يعترض طريقه من مخلفات ثم يجمعها بكيس كان قد ركنه على عتبة زاويةٍ وراء المسجد ويرميها في حاوية القمامة. ورأيته صباحا في البقالة مع بائع آسيوي يتحاوران، يبدو أن مبارك كان يسأله عن منتج، فتطاول العامل علبة ناولها لمبارك، فما كان من مبارك إلا أن سحب فجأة رأسَ العامل وحضنه وقبّله، والعامل يبتسم متجمّدا مندهشا. تأملتُ المنظرَ وكأن الأرض توقفت لبرهة على محورها. تبعت مبارك ورأيته يركبُ سيارةً فارهة، وأوقفته وعرفته بنفسي ولم يعطني اسمه، فسميته تيّمُناً مبارك. عرفت من صاحب البقالة أن مبارك يشغل وظيفة كبيرة. لم أرَ مبارك مجددا وعرفت أنه كان يسكن مؤقتا بذاك الحي وغادر. مبارك رجل يمثل ضمير الأمة، ودعوت من قلبي أن يكون وزيرا لأهم وزارةٍ خدمية بالبلاد لأنه عمل لربّه في الخفاء. هذا النوعُ من الناس هم من ينفع الناس ظهورا وخفاء. لو عرفت اسمه كاملا لما توقفت، وربما هذا سبب تمنّع مبارك من إعطائي اسمه، حتى تصل سمعته لصاحب القرار الأول ليضعه في المكان الذي يستحق، والذي تستحقه الأمة والمواطنون. حبيبنا مبارك، اذهب فأين عملت فالخير والتوفيق معك، وما أسعدك بمكافأةٍ تنتظرك فوق كل منصب، فوق كل جاه، وفوق كل ثروة.. وما أسعدك بنفسك. *** * كان وقتا سعيدا جدا ذاك الذي قضيته في مدارس الرياض في مدينة الرياض بملتقى القيادات الشابة. وكان النقاش مفتوحا فأثرى الصغار عقلي بأفكارهم وأسئلتهم، سألوا بالفكر والعلم والخدمة الخاصة والعامة. لم أبدأ بالوقت المحدد لأني تأخرت قليلا، ولما أبديت عذري رفعوا جميعا أياديهم وقالوا صدقناه! وعذري كان واضحا لا تشوبه شائبة، وهي أني في الدائري واجهتُ زحاماً شديدا، والسيارات لا تتحرك بطابور ممتد كثعبان بلا نهاية، ونزلت أتحقق من الأمر ورأيت ديناصورا رابضاً، ولم "يتطوع" أحدٌ لإزاحته عن الطريق، فنزلتُ رافعا أكمامي وحملت الديناصور وأبعدته عن الشارع.. وهذا ما أخرّني. الجميل أن شابا عمانيا صغيرا قال إنه وصل لتوه، ومن الطائرة مصداقا لكلامي رأي الديناصور يحتل ناصية الشارع، وفتاة صغيرة أرسلت بالتويتر: "عمي نجيب، أنا شفت واحد يشيل ديناصور ويبعده عن الطريق.. آها هو أنت!" *** * مساء الثلاثاء الماضي لقاءٌ مع سيدات وفتيات جمعية "حركية". دخلت القاعة خالية بكراسيها الحمراء، والوقت ليلا، ومركز الملك فهد الثقافي على مشارف العاصمة، فاعتراني خوفٌ خصوصا في مخيلةٍ تقرأ عن الأشباح بالأساطير وارتباطها باللون الأحمر. واستشعرتْ الأستاذة "هيا السبيعي" خوفي، وطمأنتني بأنهم بالدور العلوي يروني ولا أراهم. وبينما كنت بطلا أحمل الديناصورات في مدارس الرياض انكشفتُ خوّافاً مرتعد الفرائص أمام سيدات "حركية". كان النقاش مفتوحا، وخرجنا بنتيجتين: الأولى، من نسميهم بالمعوقين أو ذوي الاحتياجات لا يريدون منا أن نسهل لهم بنية تحتية من أجلهم وإنما ليقدموا خدماتهم لنفع المجتمع، وتصورنا لو أن "ستيفن هاوكنج" المعوق كليا لم تتفق بريطانيا ودول أوروبا على صنع كرسي فائق التقنية له لأن لا شيء يتحرك به سوى رموش عينيه واخترع لغة رمشيّة تتخاطب مع حاسوب المقعد لحُرم العالمُ من أكبر عقل فيزيائي على الأرض. لذا سهلوا لوصول أفكاره ليكشف لنا عن الثقوب السوداء بالقماش الكوني، ويفسر لنا معادلة الحودبة الكونية، ومقياس الزمن الفلكي من الانفجار العظيم بعقله، فنفع العلم والإنسانية، لو أنه بدولة من الدول الغافية لبقي كتلة لحم.. عبئا إلى أن يموت. والثانية لما سُئلت عن المرأة والتطوع جاء الجوابُ بلا تفكير: لو لم تكن المرأةُ رمزا للتطوع.. فمن يكون؟! *** * والمهم: ما أروع من يجعل في يوم نفسٍ مُنْهَكَةٍ لحظةً من الجنة! في أمان الله..
إنشرها