النمو المرتقب رهين بثلاثية التشريعات والتعليم ودعم المنتج الوطني

كالعادة، وفي كل مناسبة يصل فيها العالم الاقتصادي إلى مرحلة حرجة تثار من حولها التكهنات، وتندحر فيها الآمال العريضات، تنطلق من أرض المملكة العربية السعودية بشائر الخير على مواطنيها وهي تستقبل الإعلان عن أرقام الميزانية الجديدة، وما فيها من ملامح مشجعة، واهتمام بأدق التفاصيل التي يمكن أن تشغل ابن الوطن فتمضي السفينة بسلام، وتصل سريعاً إلى بر الأمان.
وفي قراءة عاجلة لبعض مقررات الإعلان عن الميزانية الجديدة للعام 1433/1434، نصت إحدى النقاط بالقول: ''وفقاً للتوجيهات السامية الكريمة، ولأهمية تعزيز مسيرة التنمية واستمرار جاذبية البيئة الاستثمارية بشكل عام التي من شأنها دفع عجلة النمو الاقتصادي وبالتالي إيجاد فرص العمل للمواطنين بمشيئة الله. استمر التركيز في الميزانية على المشاريع التنموية''، وهذا يؤكد حرص البلاد على توظيف أبناء الوطن، حيث يتجلى بوضوح من خلال ما تنفقه الحكومة على التعليم من جهة، وما تخطط له في استيعاب مخرجاته على السوح والقطاعات التنموية المختلفة من جهة أخرى، ففي كل سنة نتلمس زيادة في مخصصات التعليم، وفي تحقيق طموحاته وتطلعاته المختلفة.
ولكن السؤال: هل نرى مخرجات التعليم تتوافق مع متطلبات السوق فعلاً؟
حتى تكون المملكة بلداً مشجعاً على الاستثمار هناك ولا بد عوامل رئيسة تجعلها كذلك، وبشكل يكون مطمحاً لأي مستثمر خارجي، فنحن أولا نحتاج إلى أرضية تشريعية قوية ومتينة، وتضم إدارات تنفيذية قادرة على فض النزاعات التجارية بإجراءات سريعة، من دون أن تستغرق القضية سنوات ليصدر الحكم فيها.
العامل الثاني والمهم جداً هو: التعليم، وأخص بالذكر التدريب المهني، فممّا يؤسف له أن هذا المجال الحيوي المهم لا يتوافق مع أقل متطلبات السوق، ومع أن المملكة تصدر البترول منذ أكثر من 75 سنة، لكن إلى اليوم نعتمد في استخراج هذه الثروة على الأجانب، حتى أن العامل لا يملك شهادات جامعية - لأنه لا يحتاج - يحصل على أجر بنحو 100 دولار في اليوم، وهذا يؤشر على الخلل في نظام التعليم الفني، إذ لماذا لا يدرس الطلاب جميع موادهم باللغة الإنجليزية حتى يستطيع العمل بعد التخرج من الكلية التقنية؟
إن ما ينقص المملكة حالياً، إنما هو مجموعة من الفنيين المدربين تدريباً عالياً، وليس مجموعة أخرى تتخم القطاع بالمزيد من المهندسين، وأعتقد بعد فترة قريبة سيحدث لدينا تضخم في التعليم، بمعنى أنه ستكون لدينا شهادات عليا مكدسة لا نستفيد منها من اليوم وبعد عشر سنوات نحتاج خبراء فنيين، فمن غير المعقول أن يوجد لدينا في الكليات التقنية تخصص قديم اسمه ميكانيك السيارات ولم يستحدث لديها قسم لتقنيات حفر آبار البترول مع العلم أننا دولة منتجة للنفط ولسنا دولة مصنعة للسيارات.
إن خريجي الكليات التقنية والثانويات الصناعية لا يجدون فرصاً وظيفية، والسبب في ذلك ضعف المخرجات، وعدم تواؤمها مع متطلبات السوق، ونرجو أن تقترب مؤسسة التدريب الفني والمهني وتجلس في طاولة مستديرة مع الشركات الكبرى لدينا في المملكة وتفهم احتياج السوق، وتدرك أن من دون أيد عاملة ماهرة مدربة لن يكون هناك توظيف، ولن يكون هناك استثمار، بل سيكون لدينا تصدير ثروات إلى الخارج من تحويل العمالة الأجنبية لرواتبها وكذلك أصحاب الشركات المستثمرة. إذا يجب التركيز على مخرجات التعليم.
العامل الثالث والمهم كذلك، تريد المملكة زيادة العائد غير النفطي من الصناعات التحويلية والأساسية، ولكي يتم هذا نحتاج إلى أراض صناعية، وتوافر البنية التحتية المصاحبة لهذه الأراضي، ولا يكفي هذا هنا، وإنما يقع الدور الأكبر على الشركات الكبرى، إذ لن تقوم في المملكة صناعة قوية قادرة على تصدير للمعرفة ما لم تمد الشركات الكبرى في المملكة يد العون للمصانع أو الشركات المحلية، لكن كيف: مثلاً، عندما يأتي مصنع وطني يرغب في تصنيع منتج يخدم قطاع البترول - مثلاً صمام - يجب على شركة أرامكو على سبيل المثال أن تلتزم له بشراء نسبة 5 أو 10 في المائة من احتياجها من هذا المصنع خلال أول سنتين حتى يستطيع أن يقف على قدميه، وينفع الاقتصاد الوطني ويقوم بتوظيف أبناء البلد، وقد يأتي الرد من الشركات الكبرى بأنه: يجب أن نتعامل مع الجميع بالتساوي، وهذا ليس صحيحاً إذ لو نظرنا إلى عملاق الاقتصاد في العالم أمريكا لوجدنا أن جميع السيارات التي تستخدمها الحكومة الأمريكية هي سيارات صناعة أمريكية، لماذا لم تكن سيارات يابانية أو ألمانية والسيارات الألمانية تتفوق بجودتها على الأمريكية؟ السبب واضح وبسيط هو دعم للصناعات الوطنية، والتزام من الحكومة حتى تشجع المستثمرين على الاستثمار في هذا القطاع؟ فمتى نرى هذا الالتزام من الشركات الكبرى في المملكة؟
حتى نستطيع أن نحقق ما يطمح له الملك عبد الله - حفظه الله - يجب أن نركز على هذه العوامل الثلاثة الرئيسة: تشريعات، وتعليم، ودعم الصناعات المحلية، فبذلك سنجذب المستثمر، ونوظف أبناء الوطن، ونمنع تصدير الأموال إلى الخارج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي